وتلك المنهيات هي السخرية واللمز والنبز. والسَّخر ، ويقال السخرية: الاستهزاء ، وتقدم في قوله: { فيسخرون منهم} في سورة براءة ( 79 ( ، وتقدم وجه تعديته ب ( من (. والقوم: اسم جمع: جماعة الرجال خاصة دون النساء ، قال زهير: وما أدري وسوف أخال أدري... أقوم آلُ حصن أم نساء؟ وتنكير قوم} في الموضعين لإفادة الشياع ، لئلا يتوهم نهي قوم معينين سخروا من قوم معينين. لا يسخر قوم من قوم تفسير. وإنما أسند { يسخر} إلى { قوم} دون أن يقول: لا يسخر بعضُكم من بعض كما قال: { ولا يغتب بعضكم بعضاً} [ الحجرات: 12] للنهي عما كان شائعاً بين العرب من سخرية القبائل بعضها من بعض فوجّه النهي إلى الأقوام. ولهذا أيضاً لم يقل: لا يسخر رجل من رجل ولا امرأة من امرأة. ويفهم منه النهي عن أن يسخر أحد من أحد بطريق لحن الخطاب. وهذا النهي صريح في التحريم. وخص النساء بالذكر مع أن القوم يشملهم بطريق التغليب العرفي في الكلام ، كما يشمل لفظُ { المؤمنين} المؤمنات في اصطلاح القرآن بقرينة مقام التشريع ، فإن أصله التساوي في الأحكام إلا ما اقتضى الدليل تخصيص أحد الصنفين به دفعاً لتوهم تخصيص النهي بسخرية الرجال إذ كان الاستسخار متأصلاً في النساء ، فلأجل دفع التوهم الناشىء من هذين السيئين على نحو ما تقدم في قوله من آية القصاص { والأنثى بالأنثى} في سورة العقود ( 178 (.
فقال له: تفسح فقال له الرجل: قد أصبت مجلساً فاجلس فجلس ثابت من خلفه مغضباً، فلما أبينت الظلمة غمز ثابت الرجل وقال: من هذا؟ قال: أنا فلان فقال له ثابت: ابن فلانة، ذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية فنكس الرجل رأسه واستحيى، فأنزل الله عزوجل هذه الآية(6). وذكر ذلك الواحدي في كتابه أسباب النزول الا انه لم ينسبه إلى ابن عباس، ولعلَّ النزول نشأ عن كلا الأمرين المذكورين. اية لا يسخر قوم من قوم. وأما الفقرة الثانية وهي قوله تعالى: ﴿وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾ فاُكثر المفسرين من الفريقين ذكروا انَّها نزلت في عائشة أو فيها وفي حفصة زوجتي النبي الكريم (ص) فذكروا انَّ عائشة سخرت من أم سلمة زوجة النبي (ص) ووصفتها بالقصر في القامة أو أشارت بيدها إلى قصر قامتها أو انَّها وصفت ثوباً لاُم سلمة كانت قد لبسته فتدلَّى طرفٌ منه خلفها فوصفته عائشة بقولها "مخاطبةً حفصة "انظري ما تجرُّ خلفها كأنه لسان كلب"(7). وروي عن ابن عباس انَّ الآية نزلت عند ما شكت صفية بنت حي بن أخطب زوجة النبي (ص) اليه نساءً يُعيرنها بأنها يهودية بنت يهوديين فقال النبي (ص) لها "هلا قلت: انَّ ابي هارون وانَّ عمي موسى وانّ زوجي محمد" فزلت هذه الآية.
وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ﴾ هو النهى عن انْ يسخر الرجالُ بعضهم ببعض ومعنى قوله: ﴿وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء﴾ هو النهي عن ان تسخر نساءٌ بنساءٍ اُخريات، والتنصيص في النهى على كلِّ جنس بحدةٍ نشأَ ظاهراً عن ان ذلك أوقع في الردع، حيث يتم التنُبُّه إلى انَّ كلاً من الجنسين معنيٌ بهذا الردع والنهي المولوي، ولعل المنشأ الآخر للتنصيص على كلا الجنسين هو الإشارة إلى سبب النزول وانَّ رجالاً كانوا قد سخروا من رجال، وانَّ نساءً كن قد سخرن من نساء فيكون التنصيص أبلغ في ردع هؤلاء وهؤلاء. وأما سبب نزول الفقرة الاولى من الآية المباركة، وهي قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾. فذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن مقاتل انَّها نزلت في قوم من بني تميم استهزأوا من بلال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وابن فهيرة وسالم مولى إبي حذيفة"(4) وحكى مثل ذلك الثعلبي في تفسيره عن الضحاك قال: نزلت في وفدٍ من بنى تميم.. سبب نزول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم.. - إسلام ويب - مركز الفتوى. استهزأوا بفقراء أصحاب الرسول (ص) مثل عمار وخباب وبلال وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة لما رأوا من رثاثة حالهم (5).
وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ﴾ هو النهى عن أنْ يسخر الرجالُ بعضهم ببعض ومعنى قوله: ﴿وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء﴾ هو النهي عن أن تسخر نساءٌ بنساءٍ أخريات، والتنصيصُ في النهى على كلِّ جنس بحدةٍ نشأَ ظاهراً عن أنَّ ذلك أوقع في الردع، حيثُ يتمُّ التنُبُّه إلى أنَّ كلاً من الجنسين مَعنيٌ بهذا الردع والنهي المولوي، ولعلَّ المنشأ الآخر للتنصيص على كلا الجنسين هو الإشارة إلى سبب النزول وأنَّ رجالاً كانوا قد سخروا من رجال، وأنَّ نساءً كنَّ قد سخرنَ من نساء فيكون التنصيصُ أبلغَ في ردع هؤلاءِ وهؤلاء. سبب نزول الآية المباركة: وأما سببُ نزول الفقرة الأولى من الآية المباركة، وهي قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾. فذكر ابنُ أبي حاتم في تفسيره عن مقاتل أنَّها نزلت في قوم من بني تميم استهزأوا من بلال وسلمان وعمَّار وخبَّاب وصهيب وابن فهيرة وسالم مولى أبي حُذيفة"(4)، وحكى مثل ذلك الثعلبي في تفسيره عن الضحاك قال: نزلت في وفدٍ من بنى تميم... يأيها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم. استهزأوا بفقراء أصحاب الرسول (ص) مثل عمَّار وخبَّاب وبلال وسلمان وسالم مولى أبي حُذيفة لمَّا رأوا من رثاثة حالهم(5).
وأورد النووي في المجموع عن أنس: "بلغ صفيَّة أنَّ حفصة قالت بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبيُّ (ص) وهي تبكى وقالت: قالت لي حفصة: أنت ابنة يهودي! فقال النبيُّ (ص): إنَّك لابنة نبيٍّ وإنَّ عمَّك لنبيٌّ وإنَّك لتحت نبيٍّ، فبم تفتخرُ عليك؟ ثم قال: اتَّقي الله يا حفصة» ثم قال رواه أحمد والترمذي وصحَّحه والنسائي(9). وأفاد القمِّي في تفسيره أنَّ من يُعيرِّنها بذلك هما عائشة وحفصة(10). وروى الترمذيُّ بسندٍ وصفه القرطبي في تفسيره بالصحيح عن عائشة قالت: حكيتُ للنبيِّ(ص) رجلاً فقال: "ما يسرُّني أنِّي حكيتُ رجلاً وأنَّ لي كذا وكذا، قالت فقلتُ: يا رسول الله إنَّ صفية امرأة وقالت بيدها هكذا، يعني أنَّها قصيرة فقال(ص): لقد مزجت بكلمةٍ لو مُزج بها البحر لمُزج"(11). ومعنى "حكيتُ رجلاً "فعلتُ مثل فعله في مشيه أو جلستِه لغرض الانتقاص منه والسخرية به. ________________________________________ 1- سورة الحجرات آية رقم 11. 2- سورة هود آية رقم 25. 3- سورة إبراهيم آية رقم 4. 4- تفسيرأبي حاتم ج10 ص 3304. 5- تفسيرالثعلبي ج 9 ص80. 6- تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج 9 ص 80. ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ﴾ المعنى وسبب النزول | مركز الهدى للدراسات الإسلامية. 7- لاحظ: تفسير مقاتل بن سليمان ج3/262, تفسير السمرقندي لأبي الليث السمرقندي ج3/311, تفسير الثعلبي ج981, أسباب النزول للواحدي النيسابوري: 263, تفسير البغوي ج4/214, زاد المعاد لابن الجوزي ج7/182, تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسى ج8/112, تنوير المقباس من تفسير ابن عباس للفيروز آبادي: 436, مجمع البيان للطبرسي ج5/224.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدى القرآن مجتمع له أدب رفيع, ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس. وهي من كرامة المجموع. ولمز أي فرد هو لمز لذات النفس, لأن الجماعة كلها وحدة, كرامتها واحدة. شبكة فجر الثقافية :: ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ﴾ المعنى وسبب النزول. و القرآن في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب: يا أيها الذين آمنوا. وينهاهم أن يسخر قوم بقوم, أي رجال برجال, فلعلهم خير منهم عند الله, أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله. و في التعبير إيحاء خفي بأن القيم الظاهرة التي يراها الرجال في أنفسهم ويراها النساء في أنفسهن ليست هي القيم الحقيقية, التي يوزن بها الناس. فهناك قيم أخرى, قد تكون خافية عليهم, يعلمها الله, ويزن بها العباد. وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير. والرجل القوي من الرجل الضعيف, والرجل السوي من الرجل المؤوف.
التفسير الميسر بالضغط على هذا الزر.. سيتم نسخ النص إلى الحافظة.. حيث يمكنك مشاركته من خلال استعمال الأمر ـ " لصق " ـ