جعلنا الله وإياكم من المؤمنين الصادقين.. أقول قولي هذا وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله.. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [22].
اختلف أهل التأويل في معنى الزور الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنهم لا يشهدونه, فقال بعضهم: معناه الشرك بالله. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عامر, قال: ثنا سفيان, عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: ( لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قال: الشرك. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قال: هؤلاء المهاجرون, قال: والزور قولهم لآلهتهم, وتعظيمهم إياها. وقال آخرون: بل عني به الغناء. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي بن عبد الأعلى المحاربيّ قال: ثنا محمد بن مروان, عن ليث, عن مجاهد في قوله: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قال: لا يسمعون الغناء. وقال آخرون: هو قول الكذب. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قال: الكذب. والذين لا يشهدون الزور. قال أبو جعفر: وأصل الزور تحسين الشيء, ووصفه بخلاف صفته, حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه, أنه خلاف ما هو به, والشرك قد يدخل في ذلك, لأنه محسَّن لأهله, حتى قد ظنوا أنه حق, وهو باطل, ويدخل فيه الغناء, لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت, حتى يستحلي سامعه سماعه, والكذب أيضا قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إياه, حتى يظنّ صاحبه أنه حق, فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور.
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وهذه أيضا من صفات عباد الرحمن ، أنهم: ( لا يشهدون الزور) قيل: هو الشرك وعبادة الأصنام. وقيل: الكذب ، والفسق ، واللغو ، والباطل. وقال محمد بن الحنفية: [ هو] اللهو والغناء. وقال أبو العالية ، وطاوس ، ومحمد بن سيرين ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وغيرهم: هي أعياد المشركين. وقال عمرو بن قيس: هي مجالس السوء والخنا. وقال مالك ، عن الزهري: [ شرب الخمر] لا يحضرونه ولا يرغبون فيه ، كما جاء في الحديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ". وقيل: المراد بقوله تعالى: ( لا يشهدون الزور) أي: شهادة الزور ، وهي الكذب متعمدا على غيره ، كما [ ثبت] في الصحيحين عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر " ثلاثا ، قلنا: بلى ، يا رسول الله ، قال: " الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ". وكان متكئا فجلس ، فقال: " ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور [ ألا وقول الزور وشهادة الزور]. والذين لا يشهدون الزور سورة الفرقان. فما زال يكررها ، حتى قلنا: ليته سكت. والأظهر من السياق أن المراد: لا يشهدون الزور ، أي: لا يحضرونه; ولهذا قال: ( وإذا مروا باللغو مروا كراما) أي: لا يحضرون الزور ، وإذا اتفق مرورهم به مروا ، ولم يتدنسوا منه بشيء; ولهذا قال: ( مروا كراما).