الحمد لله. لعل الرسالة التي خرجت لك كتبت خطأ، وصوابها: كيف حالك مع الله اليوم؟ أو أن يكون مرادهم بالحال: الشأن، فأخطأوا في العبارة. ويكون ، على ذلك الاعتبار: إشارة إلى قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الرحمن/29 قال البخاري في صحيحه: "وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29]: "يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ" انتهى. وقد رواه ابن ماجه (202) وابن أبي عاصم في السنة (301) مرفوعا، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29] ، قَالَ: (مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا، وَيُفَرِّجَ كَرْبًا، وَيَرْفَعَ قَوْمًا، وَيَخْفِضَ آخَرِينَ). وحسنه البوصيري في الزوائد، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه وصححه في تخريج السنة لابن أبي عاصم. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (7/ 495): "قال الأعمش، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير: (كل يوم هو في شأن) ، قال: من شأنه أن يجيب داعيا، أو يعطي سائلا ، أو يفك عانيا، أو يشفي سقيما. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كل يوم هو يجيب داعيا، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إن الله خلق لوحا محفوظا من درّة بيضاء، دفتاه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، عرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كلّ يوم ثلاث مئة وستين نظرة، يخلق بكل نظرة، ويُحيي ويميت، ويُعزّ ويُذلّ، ويفعل ما يشاء.
* - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى, قَالَ: ثنا ابْن ثَوْر, عَنْ مَعْمَر, عَنِ الْأَعْمَش, عَنْ مُجَاهِد, عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر { كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن} يُجِيب دَاعِيًا, وَيُعْطِي سَائِلًا, وَيَفُكّ عَانِيًا, وَيَتُوب عَلَى قَوْم وَيَغْفِر. 25552 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار, قَالَ: ثنا مَرْوَان, قَالَ: ثنا أَبُو الْعَوَّام, عَنْ قَتَادَة { يَسْأَلهُ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: يَخْلُق مُخَلَّقًا, وَيُمِيت مَيِّتًا, وَيُحْدِث أَمْرًا. 25553 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو الْغَزِّيّ, قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف الْفِرْيَابِيّ, قَالَ: ثنا عَمْرو بْن بَكْر السَّكْسَكِيّ, قَالَ: ثنا الْحَارِث بْن عَبْدَة بْن رَبَاح الْغَسَّانِيّ, عَنْ أَبِيهِ عَبْدَة بْن رَبَاح, عَنْ مُنِيب بْن عَبْد اللَّه الْأَزْدِيّ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة: { كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن} فَقُلْنَا: يَا رَسُول اللَّه, وَمَا ذَلِكَ الشَّأْن ؟ قَالَ: " يَغْفِر ذَنْبًا, وَيُفَرِّج كَرْبًا, وَيَرْفَع أَقْوَامًا, وَيَضَع آخَرِينَ ".
المستعان به على كل نائبة وفادحة ، والمعهود منه كل بر وكرامة. الذي عنت له الوجوه ، وخشعت له الأصوات ، وسبَّحت بحمده الأرض والسماوات ، وجميع الموجودات. بارئ البريات ، وغافر الخطيات ، وعالم الخفيات ، المُطَّلع على الضمائر والنيات ، أحاط بكل شيء علماً ، ووسع كل شيء رحمة وحلماً ، وقهر كل مخلوق عزة وحُكماً { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} … (طه: 110) ، لا تدركه الأبصار ، ولا تُغيّره الأعصار ، ولا تتوهمه الأفكار ، { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} … (الرعد: 8). الذي لا تسكن الأرواح إلا بحبه ، ولا تطمئن القلوب إلا بذكره ، ولا تزكو العقول إلا بمعرفته ، ولا يُدْرك النجاح إلا بتوفيقه ، ولا تحيا القلوب إلا بنسيم لطفه وقربه ، ولا يقع أمر إلا بإذنه ، ولا يهتدي ضال إلا بهدايته ، ولا يستقيم ذو أوَدٍ إلا بتقويمه ، ولا يفهم أحد إلا بتفهيمه ، ولا يُتَخلص من مكروه إلا برحمته ، ولا يُحفظ شيء إلا بكلاءته ، ولا يُفتتح أمر إلا باسمه ، ولا يتم إلا بحمده ، ولا يُدْرك مأمول إلا بتيسيره ، ولا تنال سعادة إلا بطاعته ، ولا حياة إلا بذكره ومحبته ومعرفته ، ولا طابت الجنة إلا بسماع خطابه ورؤيته، الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً ، وأوسع كل مخلوق فضلاً وبراً.
لا ندرى في أيِّ وجهةٍ تعلَّقتْ إرادتُه وعلى أيِّ نحوٍ اقتضتْ مشيئتُه. وقد رُوي أنَّ أبا الدرداء رحمه الله سأل النبيَّ (ص) عن قوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ فقال (ص): "مِن شأنه أنْ يغفرَ ذنبًا، ويُفرِّج كربًا، ويرفعَ قومًا، ويضعَ آخرين"(2). وفي تفسير القمِّي قال: قال عليُّ بنُ الحسين عليه السلام: في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ (3) قال: "يُحيي ويُميت ويرزق ويزيد ويُنقِص"(4). وبتعبيرٍ آخر: إنَّ لله تعالى مع كلِّ عبدٍ في كلِّ آنٍ فعلٌ وتدبيرٌ قد يتشابه ولكنَّه لا يتكرَّر، فإحياؤه له في الآنِ الأول ليس كالإحياء له في الآن الثاني، وتمكينُه في الآنِ الأول ليس كتمكينه في الآن الثاني وإنْ تشابه كلٌّ من التمكينين، فلَه تعالى مع كلِّ عبدٍ شأنٌ في كلِّ آن، لذلك فهو لا يستغني عن تدبير الله تعالى، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (5) فالفقر لله تعالى دائمٌ ومتجدِّد لا يخلو منه آن، ولله مع كلِّ آنٍ شأنٌ وتدبير قد يتشابه، وقد يتفاوت، وقد يتباين. فليس معنى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ أنَّه تعالى معرضٌ للحوادث والأحوال، فلا يطرأ عليه تعالى تغييرٌ وهو لكماله المطلق غيرُ قابلٍ للزيادة والتحوُّل، فالتحوُّل إنَّما هو بلحاظ ما يفعلُه تعالى بخلقه، فهو جلَّ وعلا يستحدثُ الخلائق ثم لا يمتنعُ عليه تحويلُها من حالٍ إلى حال، ولا يترتَّب عن استحداثِها استغناؤها واستقلالُها عن تدبيره، فلها في كلِّ آنٍ تدبيرٌ منه وتحويل، ولعلَّ ذلك هو ما يُشير إليه قولُه تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (6).
وقفة نقفها مع آية من كتاب الله، نتدبر فيها، ونأخذ العظة والعبرة منها، ونتأمل ما قاله العلماء فيها؛ يقول الله تبارك وتعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد: وقفة نقفها مع آية من كتاب الله، نتدبر فيها، ونأخذ العظة والعبرة منها، ونتأمل ما قاله العلماء فيها؛ يقول الله تبارك وتعالى: { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29].