فهذا النوع من الناس، موجود وكثير ، يعبر لك عن نقمته على الله، وعن رفضه لقضاء الله وقدره. يقولالله تعالى في سورة الجاثية: "﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾. فلو عرف المؤمن ربه لما شكاه إلى أحد ولو عرف الناس لما شكا إليهم شيئاً ، إن عرفت الله ما شكوته، وإن عرفت الناس لا تشكو الله إليهم أبداً، فكيف تشكو الله العزيز الكريم، إلى الإنسان البخيل اللئيم الذليل. رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فاقته فقال: يا هذا والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك. لا تشكو للناس جرحا انت صاحبه مكتوبة. فمن جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس لا يشكو إلى الناس،، وكذلك من شكا نفسه إلى الله لم يشكِ أحداً، فالذكاء لا أن تشكو هؤلاء الناس إلى الله بل أن تشكو نفسك إلى الله لأن النبي صلىالله عليه وسلم يقول:" لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ". ويقول الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير﴾[ سورة الشورى]. وقال تعالى:﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[ سورة آل عمران].
كلها أحداث تركت تأثيراتها الواضحة على المسار الفكرى والسياسي للدكتور سعيد. فصل كامل تحدث عن تلك الجوانب الثرية من بواكير المشروع الفكرى والسياسي للدكتور سعيد وإرهاصات ذلك المشروع. لا تشكو للناس جرحاً أنت صاحبه أغنية. بينما انصب اهتمام الفصل الثانى من هذا البحث الدسم على وصف جوانب وزوايا ذلك المشروع الفكرى ملقياً الضوء حول القدرة الخارقة للدكتور سعيد على وصف أبعاد المشهد السياسي وإعادة تركيبه وتحليله إلى عوامله الأولية لتشكيل منهاجه الفكرى الخاص. وكيف أن محور الارتكاز فى هذا المشروع هو الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان اهتماماً مكثفاً لا على المستوى النظرى والفلسفى فقط بل وعلى المستوى التطبيقي مستعيناً بالتراث الإنساني للفقه الإسلامي أيضا في دعوته لسلمية النضال من أجل حقوق الإنسان، دون أن ينفي حضور عدد من الإشكاليات في الفقه الإسلامي من منظور حقوق الإنسان، أبرزها تلك المتعلقة بحقوق المرأة وقوانين الحقوق الشخصية ووضع الأقليات الدينية غير المسلمة. ويمكن اعتبار الفصل الثالث بمثابة ذروة الفكرة أو قمة الجبل الصاعد نحو المنهج التطبيقى لمشروع سعيد الفكرى؛ وقد تم تقسيمه إلى خمسة مباحث تطبيقية: المبحث الأول يمس إشكاليات الإصلاح السياسي وقضاياه الكبري، فيما يتناول المبحث الثاني أزمات الوضع الاقتصادي، ثم المبحث الثالث حول إشكاليات الوضع الثقافي، والرابع عن قضايا الإصلاح الاجتماعي، بينما تعرَّض المبحث الخامس لمشكلات السياسة الخارجية المصرية.
ولا سبيل لإنشاء مثل هذا إلا بإنهاء أوضاع الاستبداد على الصعيد العالمي، وهو ما يتطلب ضرورة أن يكون القانون الدولي، وليس القوة، هو الحاكم للعلاقات الدولية. التساقطات تنعش حقينة السدود. واعتبر سعيد أن هناك حاجة ماسة لتأسيس مشروع سلام إسلامي عالمي، تبادر به الدول العربية والإسلامية، بحيث لا يكتفي العرب والمسلمون بردود الفعل على ما يوجَّه للإسلام من اتهامات بالتطرف، بل يجب أن يكونوا مبادرين بالفعل. وفيما يخص العلاقات العربية الأمريكية، فهو يؤكد أنها تعكس أمراض التبعية، وأن تصحيح الخلل القائم في تلك العلاقات يتطلب إستراتيجية واضحة وكاملة للتأثير على الشعب الأمريكي ودفعه لتأييد الحقوق العربية المشروعة، ولكن ذلك بالطبع يعني خوض معركة جبارة مع القوى الصهيونية التي تحتكر النفوذ على عملية صنع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. تلك كانت صورة مكثفة وجامعة لخلاصة منهج محمد السيد سعيد الفكرى على مدى أربعين عاماً أمضاها فى نضال سياسي وثقافى محاولاً التفاعل مع أحداث تبدو من تعقدها وتشابكها عصية على التفكيك والحل. وربما لهذا توفى محمد السيد سعيد فى سن صغيرة نوعاً حيث لم يكمل الستين؛ إذ استهلكه الهم الوطنى والعربي فحرص على توريث الحلول للأجيال التالية عساها أن تنتفع بتجربته ورؤيته التى أودعها جهده البحثى على مدار عقود من العمل الدءوب.
واعلم قوله تعالى:﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾[ سورة التوبة]. فالمؤمن لا تزيده الأيام إلا راحةً واطمئناناً كلما ازداد عمره ازداد تراجعاً فلا بد من أن ينتبه لمآله، فالمؤمن هو تاجر ولكن غلته العمل الصالح مهما اشتغل فلا يتعب ، هدفه الله والدار الآخرة فكلما أقدره الله على عمل صالح يسعد أكثر ، كلما أجرى على يده عملاً صالحاً يسعد أكثر ، وكلما أعطاه الله واستغل عطاء الله يسعد أكثر ، والنبي صلى الله عليه وسلم تمنى أن يكون له مثل أحد ذهباً بشرط ألّا يبقى عنده أكثر من ثلاثة أيام ، بل ينفقه كله في سبيل الله. فلا تشتكل الله إلى أحد، فالخواطر كلها في علم الله ، لذلك قال العلماء: أمة محمد أمتان أمة الاستجابة وأمة التبليغ ، فالذين استجابوا هم خير أمة أخرجت للناس علة هذه الخيرية تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، أما الذين لم يستجيبوا فهؤلاء أمة التبليغ ليس لهم فضل إطلاقاً على أي إنسان ، قال تعالى:﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾[ سورة المائدة]. تشكو الله إلى الناس ثم تطلب منه؟.. لا تحبط دعاءك. فلا تضجر من حياتك، وتتعجل الرزق، فالحياة الحقيقية ، التي تليق بالإنسان، هي حياة الاستجابة إلى الله ، أيْ حياة طاعة الله ، فأنت حي بقدر استجابتك و تنقص هذه الحياة بقدر نقص استجابتك لله عز وجل ، و إن استجبت لله عز وجل فأنت من أمة الاستجابة هذه خير أمة أخرجت للناس.
فمن يشكو الله إلى خلقه أحمق وغبي فالعقل والحكمة، أن تشكو نفسك إلى الله ، وتدعو: " يا ربي أصلح لي نفسي، يا ربي ارزقني موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك". ماذا تفعل حينما تضيق الدنيا في وجهك؟ يقول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾. [ سورة الأنفال] أول شيء تفعله إذا ضاقت الدنيا في وجهك، أن تتوجه إلى الحياة الحقيقية ، الحياة النافعة ، الحياة السعيدة ، الحياة الإنسانية وليست البهيمية، الحياة التي تليق بك، وينبغي أن تصبو إليها، والحياة التي تسعدك هي حياة استجابتك إلى الله. النسخة الجديدة من قصيدة كريم العراقي "لا تشكو للناس". فالصبر على ضيق الحال، هو خروج من الشهوة البهيمية إلى الارتقاء إلى الحياة العالية الأبدية، فالإنسان ليس حيوانا لا يهمه إلا الطعام والشراب والتناسل، فأخس حيوان يلتقي مع الأنثى وينجب، ويأكل ، ويشرب، و ينام ، لكن الإنسان يبتغي الحياة الطيبة، حياة من استجاب لله وللرسول ظاهراً وباطناً فهناك استجابة ظاهرية واستجابة باطنية ، والشيء الحقيقي أن تستجيب ظاهراً وباطناً وهذه هي الحياة.
اقرأ أيضا: أذكار المساء.. من قاله عشراادركته شفاعتي يوم القيامة فانظر كم من أغنياء شاردين غير مستقيمين، تضيق الدنيا بهم ذرعاً فهم أموات، رغم أناقة ثيابهم، ومركبتهم الفارهة وبيوتهم الفخمة، لكن لا يشعرون بسرور. وانظر كم مؤمن فقير وسعيد يمتلك قلب كالصخر ، مع أن الطعام متواضع جداً ، والبيت متواضع، ولكن السعادة مصدرها حب وصلة وانشراح صدر من الله عز وجل. لذلك يقول الله تعالى ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾[ سورة القصص]. فأكمل الناس حياةً أكملهم استجابةً لرسول الله ، يعني أنت حي ، والحياة التي تليق بك بقدر استجابتك لرسول الله ، ولكن بالمناسبة فالله عز وجل ما قبل دعوى محبته إلا بالدليل ، والدليل طاعة رسول الله قال تعالى:﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾[ سورة آل عمران]. لا تشكو للناس جرحا انت صاحبه كلمات. قال بعض العلماء: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ.. يعني إذا دعاكم إلى الحق ، فما الحق ؟ هذه الكلمة وردت في كتاب الله مئات المرات، الحق هو الله ، يعني إذا دعُيت إلى الله ، دُعيت إلى طاعته ، دُعيت إلى محبته ، إلى جنته ؛ فالحق هو الله.