يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أنتم شهداء الله في الأرض»، قال ذلك لما أثنى الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، على ميت مرت جنازته وذموا أخرى، فقال: «هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً، فوجبت له النار»، وما من أحد عرفته ولا قرأت مقاله إلا وأثنى على الملك الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله تعالى، لما يذكرون من مآثره وطيب قلبه وكبير عمله وبالغ إخلاصه في خدمة شعبه وأمته، فأثنوا عليه بما هو فيه من الخير. «إن انتقال خادم الحرمين الشريفين للدار الآخرة، إنما هو انتقال من دار العناء والشقاء إلى دار السعادة والرضا».
إخوة الإيمان: في مجلس رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصحابة ملتفُّون حول حبيبهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَمُرُّ جنازة، فيَرْمقها الناس بأبصارهم، وإذا الألسُن تُثني على صاحبها خيرًا، فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وجبَتْ، وجبتْ، وجبت))، ثم مُرَّ بِجنازة أخرى، فإذا ألسن الناس تثني عليها شرًّا، فقال رسول الْهُدى: ((وجبتْ، وجبت، وجبت))، وأمامَ هذا الاستغراب والاستفهام من الناس، يأتي التَّعليق النبويُّ بقوله: ((مَن أثنيتم عليه خيرًا، وجبتْ له الجنَّة، ومن أثنيتم عليه شرًّا، وجبت له النار، أنتم شُهَداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض)).
وحُسْن الثناء - يأهل الإيمان - هو من جملة الآثار الحسَنة التي تبْقى للمرء بعد مماته: فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا ♦♦♦ فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ وحين نقلِّب تاريخنا الغابر، نجد الذَّاكرة متخمةً بأسماءٍ لامعة إذا ذُكروا ذُكر معهم الثناء العاطر، والذِّكر الحسن، والدُّعاء بالرحمة والمغفرة، إذا ذُكر الإمام أحمد بن حنبل، قيل: إمام أهل السُّنة والجماعة، وإذا قيل: أحمد بن عبدالحليم الحرَّاني، لا يُعرف إلا بشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، وإذا ذُكر صلاح الدين، قيل: قاهر الصليبيِّين، ومُحرِّر أُولَى القبلتين، وإذا ذُكر محمد بن عبدالوهاب، استحقَّ أن يُقال: الإمام المجدِّد. أعلام وعُظماء غُيِّبوا في الثَّرى، لكن ما غاب ذِكرهم، وما مُحِي أثرهم، بل إنَّ ذكْرَهم بعد مَماتهم أكثر من ذِكر كثيرٍ من الأحياء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. إن الذِّكر الحسن في الدنيا ليس بكثرة المُكْث فيها، وإنَّما بقدْر الأثر عليها، لقد عاش في هذه الدار رجالاتٌ ماتوا وهم في زَهرة شبابِهم، لكنْ بقي ذِكْرُهم أزمانًا ودهورًا إلى يومنا هذا، وقلِّب نظرك في مسارب التاريخ ترَ أسماءً لامعة، وأنجُمًا سامقة، أفلَتْ وهم في عنفوان أعمارهم وشبابِهم: سعد بن معاذ - سيِّد الأوس - توُفِّي وعمره ثلاث وثلاثون سنةً، ولكنه رحل بعد أن قدَّم أعمالاً كثيرة جليلة للإسلام تُذْكر فتشكر.
وهذا عمر بن عبدالعزيز، الإمام العادل الزَّاهد – توفِّي ولَما يبلغِ الأربعين. ومن علامات الشَّقاء والنكد والبلاء ، أن يذكر العبد بأخلاقه السيئة ، وأعماله القبيحة ، وأفعاله السوداء المظلمة، فتُلاحقه الشتائمُ والسباب في حياته وبعد مَماته، فالشرُّ والتَّشاؤم لا يفترقان عن اسمه ورسمه. فالذين يُثنَى عليهم الناس شرًّا: هم الذين غلبَتْ عليهم شقوتُهم، وأحاطت بهم خطيئتهم، وهم أصنافٌ شتَّى، تفرَّقت فعالهم، وتلوَّنت قبائحهم، ولكن جمعَتْهم خصلة واحدة؛ أنَّهم سبب كل بلاء، وشرارة كل مصيبة وبلية. فالثناء بالشر ينتظر كلَّ مستبِدٍّ وطاغية، ظلَم العباد، وأفسد البلاد، وللخزائن أباد. أنتم شهداء الله في الأرض. والشهادة بالشر، ستلاحق المُجرمين، الذين يعيثون في الأرض فسادًا؛ قتلاً للآمِنين، وترويعًا للمؤمنين. والشهادة بالسُّوء، متَّصلة لكلِّ صاحب سوء، يأمر بالمنكر ويَنهى عن المعروف، يشمئِزُّ إذا ذُكِر الله وحده، ويستبشر إذا ذُكِر الذين مِن دونه. والشهادة بالشر، ستطوِّق الذين ظَلموا أنفسهم، فانتهكوا حدود الله، وارتكبوا مَحارم الله. والشهادة بالشر، ستُكتب على دهاقنة الإفساد، الذين أَمطروا الأمَّة بوابلٍ من المناظر الشَّهوانية، والعفونات الفكريَّة.
وإنما نالت الأمة الإسلامية ما نالته من تشريف وتكريم، بما استودعه الله فيها من صفات الخيرية ـ والتي نصت عليها الآية الكريمة ـ، وهي أنها أنفع الناس للناس بما تقوم به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبما استقر في نفوسها من إيمانها بالله عز وجل، واتباعها للنبي صلى الله عليه وسلم. وأمة الإسلام وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في المنزلة، وذلك بما فضلها الله تعالى به من خصائص وفضائل كثيرة، والتي منها: أنها شاهدة للأنبياء على أممهم.
163- باب ثناء الناس عَلَى الميت 1/950- عن أَنسٍ قَالَ: مرُّوا بجنَازَةٍ فَأَثْنَوا عَلَيْهَا خَيرًا، فَقَالَ النبيُّ ﷺ: وَجَبَتْ ، ثُمَّ مرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَال النَّبيُّ ﷺ: وَجبَتْ ، فَقَال عُمرُ بنُ الخَطَّاب : ما وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيتُمْ علَيْهِ خَيرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وهَذَا أَثْنَيتُم عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أنتُم شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرضِ متفقٌ عَلَيْهِ.
أ هـ "هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " الواجب على المسلمين الحذر كل الحذر من المنافقين الذين يظهرون الخير ويبطنون الشر ولا بد من التفريق بين الصديق والعدو لا سيما البطانة ينبغي ألا يطلع على أسرارك لا سيما إذا كنت وليا للأمر ـ إلا من كان ذا استقامة في دينه وعقيدته صادقا بالقول محبا للمسلمين ومواليا لهم وبريئا من الشرك وأهله لذا حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من المنافقين فقال: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المنافقون: 4). "ولتعرفنهم في لحن القول" لقد جعل الله الألسن مغارف القلوب يظهر منها ما فيها، فمهما حاول أعداء المسلمين من إخفاء حقدهم وكيدهم للمسلمين إلا أن فلتان لسانهم يفضحهم، قال تعالى: ـ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ـ (محمد: 30ـ29)، وبهذا نعلم أن الله تعالى يظهر حقائق المنافقين بين الحين والآخر فمنهم من ظهر أمره ومنه من ستظهر حقيقته ولو بعد حين، فلا تثق بهم أبدا لا سيما من كانت التقية أهم مهمات الدين عنده!!