لما ذكر سبحانه أنواع الدلائل نبه على كمال القرآن فقال: 109- "قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي" قال ابن الأنباري: سمي المداد مداداً لإمداده الكاتب، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء، ويقال للزيت الذي يوقد به السراج مداد، والمراد بالبحر هنا الجنس.
وقد سلك في هذا مسلك التقريب بصرب هذا المثل ؛ وقد كان ما قص من أخبار الماضين موطئا لهذا فقد جرت قصة لقمان في هذه السورة كما جرت قصة أهل الكهف وذي القرنين في سورة الكهف فعقبتا بقوله في آخر السورة ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) وهي مشابهة للآية التي في سورة لقمان. فهذا وجه اتصال هذه الآية بما قبلها من الآيات المتفرقة ولما في اتصال الآية بما قبلها من الخفاء أخذ أصحاب التأويل من السلف من أصحاب ابن عباس في بيان إيقاع هذه الآية في هذا الموقع. فقيل: سبب نزولها ما ذكره الطبري وابن عطية والواحدي عن سعيد بن جبير وعكرمة وعطاء بن يسار بروايات متقاربة: أن اليهود سألوا رسول الله أو أغروا قريشا بسؤاله لما سمعوا قول الله تعالى في شأنهم ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) فقالوا: كيف وأنت تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء! قل لو كان البحر مدادا لكلمات. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سألوه: هي في علم الله قليل ثم أنزل الله ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) الآيتين أو الآيات الثلاث وعن السدي قالت قريش: ما أكثر كلام محمد!
قل لو كان البحر - YouTube
وقد تقدم عند قوله تعالى ( ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) في سورة الأنفال و ( من شجرة) بيان ل ( ما) الموصولة وهو في معنى التمييز فحقه الإفراد ولذلك لم يقل: من أشجار, والأقلام: جمع قلم وهو العود المشقوق ليرفع به المداد ويكتب به أي لو تصير كل شجرة أقلاما بمقدار ما فيها من أغصان صالحة لذلك. والأقلام هو الجمع الشائع لقلم فيرد للكثرة والقلة و ( يمده) بفتح الياء التحتية وضم الميم أي يزيده مدادا. والمداد بكسر الميم الحبر الذي يكتب به. قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي. يقال: مد الدواة يمدها.
وقرأ حمزة و الكسائي قبل أن ينفد بالياء لتقدم الفعل.
القطعة الأولى عبارة عن ورقة مفردة يتّضح عند التمعّن في نصّها أنها تحوي جزءا من سورة النمل. تماثل القطعة الثانية هذه القطعة، وتحوي الآيات الأخيرة من "سورة الملك"، وأول آيات "سورة القلم". أما القطعة الثالثة، فهي كراس من مصحف قديم مصدره مصر أو من بلاد الشام يحمل كتابة بخط يماثل القلم الكوفي. حول هذه القطع، نقع على مخطوطات متنوعة تشهد على تعدّدية جمالية الخط. من المرحلة المملوكية، نجد لفيفة قرآنية تعتمد الخط النسخي. ومن ايران، تقع على صفحة مزوّقة تعود إلى أوائل القرن السابع عشر تعتمد الخط المعروف بـ"النستعليق". الشواهد العثمانية كثيرة، ومنها فرمان تعيين صادر عن السلطنة من عام 1646 يتبنّى الخط الديواني الذي شاع في هذه الحقبة. ونقع على كتابات من القرن التاسع عشر مصدرها المغرب العربي، وفيها يبرز الخط الكوفي المغربي الّذي ظهر في بلاد المغرب والأندلس، وتميّز بأسلوبه الذي يجمع بين حروف الخطّ الجاف والليّن معاً. بين الحقبة العباسية والحقب التي تلتها، تحوّل الخط العربي من وسيلة للكتابة والتدوين والتواصل إلى فن قائم بذاته مبني على نظام هندسي له قوانينه وأسسه. الفوائد المستنبطة من سورة الكهف - طريق الإسلام. هكذا كان حضور الخط العربي حضوراً للغة فنيّة خالصة انتشرت خلال عشرة قرون.
قال تعالى: { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [ الكهف 109]. قال السعدي في تفسيره: أي: قل لهم مخبرا عن عظمة الباري، وسعة صفاته، وأنها لا يحيط العباد بشيء منها: { لَوْ كَانَ الْبَحْرُ} أي: هذه الأبحر الموجودة في العالم { مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} أي: وأشجار الدنيا من أولها إلى آخرها، من أشجار البلدان والبراري، والبحار، أقلام، { لَنَفِدَ الْبَحْرُ} وتكسرت الأقلام { قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} وهذا شيء عظيم، لا يحيط به أحد.