[٧] يُشترط في تحريم ربا الفضل بيع أصناف محددة بجنسها كما ورد في حديث عبادة بن الصّامت -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ) ، [٨] أمّا ربا الفضل فقد يكون من جنس المبيع متماثلًا أو مختلفًا عنه بشرط تأجيل أحد العوضين. الحكمة من تحريم الربا... [٩] الحكمة من تحريم الربا لتحريم الربا حِكَمٌ كثيرة أقرها أهل العلم، نستعرض بعضها فيما يأتي. الربا أكلٌ لأموال النّاس بالباطل فحينما يتفاضل أحد العوضين من المبيع من غير عوض كان ذلك أكل لأموال النّاس بغير حقّ، وقد حرّمت الشريعة وذمّت فاعلها وبينت سوء عاقبته، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} ، [١٠] وقال النّبي -صلى الله عليه وسلم-: (حرمةُ مالِ الإنسانِ كحُرمةِ دمِهِ). [١١] [١٢] الربا يعوّد الإنسان على الكسل والخمول إن الربا يجعل الإنسان معتاداً على الكسل والخمول، ويجعله متقاعساً وتاركاً العمل والاشتغال بكسب الحلال، وهذا يخالف ما حثّ عليه الشرع من أهمية العمل وكسب الرزق مما أباح الله من الأعمال المشروعة، ليعُفّ المرء نفسه عن الطلب من النّاس والحاجة إلى سؤالهم، وهذا من شأنه أن يؤثّر على المجتمع بأكمله، إذ لا يمكن أن تنتظم الحياة ولا تنقضي حاجات أفراده إلا بأصحاب المهن والحرف والصناعات المختلفة.
الربا لم يحرمه الإسلام فقط وإنما استنكره الكثير من المفكرين وكذلك اتفقت الكنائس على تحريمه، حتى أن لوثر كان من المتشددين جدًا في تحريمه ويعود ذلك إلى ما يترتب على التعامل بالربا من آثار سلبية سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وربما بعد الثورة الفرنسية تغيرت نظرة المجتمعات الغربية أو الكنيسة للربا أو الفوائد إلا أن الدين الإسلامي لازال متمسكًا بتحريم الربا. تعريف الربا لغويًا فإن كلمة ربا أي الزيادة والكثرة والارتفاع وبشكل مطلق فمثلًا نقول ربا المال ويعني ذلك زاد المال ونما، وقول تعالى " أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ" ( النحل / آية 92) وربا هنا تعني كثر وزاد عددها ، واصطلاحا فإن الربا قد عرف بأنه الحصول على زيادة في المال, اشياء مخصوصة دون مقابل أو دون وجه حق. رأي الأديان والشرائع الأخرى في الربا لم يكن الإسلام فقط ما حرم الربا بل إن كافة الشرائع والديانات السابقة أجمعت على تحريمه، فنجد في اليهودية وفي العهد القديم مجموعة من النصوص التي توضح تحريم الربا بشكل واضح منها (إذا أقرضت مالاً لأحد أبناء شعبي فلا تقف منه موقف الدائن ، ولا تطلب منه ربحاً لمالك) وهناك أيضًا ( لا تقرض أخاك بربا ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء مما يقرض بربا).
د. يوسف القرضاوي من التبريرات التي جدت على الساحة اليوم: ما يقال من أن الحكمة في تحريم الربا لم تعد قائمة اليوم. فالحكمة هي منع ظلم الدائن للمدين أو المقرض للمقترض واستغلال حاجته بفرض الزيادة الربوية عليه... وهذا بخلاف البنك الحديث الذي يعطيه الناس أموالهم ليستثمرها، فالبنك المقترض هو القوي، والمقرض هنا هو الضعيف ممن يملك المائة والمائتين، أو الألف والألفين، وهو يستغل هذه الأموال في التجارة والصناعة وغيرها من ألوان الاستثمار. بعد دراسة الجدوى والاحتمالات، حتى لا يتعرض للخسارة، فإن خسرت صفقة عوضتها صفقات أخرى رابحة، ولو خسرت كلها عوضها البنك المركزي! والرد على هذا كله يسير. أولاً: لأن الأصل المطرد الغالب: أن نبني الأحكام الشرعية على العلة لا على الحكمة؛ لأن العلة هي الوصف الظاهر المنضبط الذي يكون علامة واضحة على الحكم بخلاف الحكمة التي لا تنضبط، وقد تختلف أفهام الناس وتضطرب في تحديد الحكمة. فلا يتفقون على شيء. ثانياً: هب أننا بنينا الحكم على الحكمة لا على العلة، كما يرى بعض العلماء، فيجب أن تكون الحكمة جامعة مانعة، تستوعب كل الصور ولا تقصر عن بعضها. وحصر الحكمة في استغلال المقرض الغني للمقترض الفقير الذي يأخذ القرض لحاجته وقوته وقوت عياله حصر غير صحيح، وقد، رددنا عليه بالأدلة الناصعة.
أخرجه مالك والدارقطني.. القرض: معناه: القرض هو المال الذي يعطيه المقرض للمقترض ليرد مثله إليه عند قدرته عليه، وهو في أصل اللغة: القطع. وسمي المال الذي يأخذه المقترض بالقرض لأن المقرض يقطعه قطعة من ماله.. مشروعيته: وهو قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه، لما فيه من الرفق بالناس، والرحمة بهم، وتيسير أمورهم، وتفريج كربهم. وإذا كان الإسلام ندب إليه وحبب فيه بالنسبة للمقترض فإنه أباحه للمقترض، ولم يجعله من باب المسألة المكروهة لأنه يأخذ المال لينتفع به في قضاء حوائجه ثم يرد مثله. 1- روى أبو هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 2- وعن ابن مسعود: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة» رواه ابن ماجه وابن حبان. 3- وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلامن حاجة».