وخير الخطائين التوابون أَمَّا بَعدُ: فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾.
تخط إلى المحتوى الرئيسي كلنا خطاؤون نقبل على الله تارة، وتسيطر علينا الغفلة تارة اخرى، ولابد ان يقع منا خطأ واخطاء قال الحبيب المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم (كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون) فالغفلة والتقصير من سمة الانسان ضعيف العزيمة، وهنا يكون الاجتهاد في تقوى الله والتوبة، ومن رحمته بعباده ان فتح لهم باب التوبة، وامرهم بالانابة اليه، ولولا ذلك لوقع الانسان اسيرا للقنوط، وقصرت همته، وانقطع رجاؤه. الطريق الى الله بالتوبة والانابة ميسر وواضح ومفتوح امام العبد في كل لحظة، ليجد من يطرقه الجواب الرباني في قوله سبحانه (واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صحالا ثم اهتدى) والتوبة ظاهرة وباطنة هي الينبوع الصافي لكل خير وسعادة في الدارين يترك الذنب والمعاصي والاثام واستشعار قبحها مخافة الله، والندم على فعلها، والعزيمة الصادقة بالكف عنها بعدم العودة اليها، والتوجه الى الله فيما بقي من اللحظة الى ما شاء الله من العمر. يروي (ان رجلاً صالحاً جاء الى العبد الصالح ابراهيم بن ادهم رحمه الله فقال: يا ابا اسحاق: اني رجل مسرف على نفسي بالذنوب والمعاصي، فاعرض علي ما يكون زاجراً لى عنها، وهادياً لقلبي، فقال ابراهيم بن ادهم: ان قبلت مني خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية قط، ولم توبقك لذة، فقال الرجل هات يا ابا اسحاق.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) 2. وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم أن كل الناس يخطئون وأن خيرهم من يتوب إلى الله ويرجع إليه كلما حصل منه خطأ، كما في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) 3 ، وليس المقصود من هذا أن الإنسان يقحم نفسه في الخطأ إقحاماً ويرتكب المنكرات ثم يقول: كلنا أصحاب خطأ وسنتوب! فيسوِّف هذا المسكين في التوبة وربما اخترمه الموت وهو على حاله السيئ! عياذا بالله. ففرق بين من هو غريق في الذنوب لغفلة ولطغيان ثم يفيق منها ويستغفر، وفرق بين من يصر على الذنوب والمعاصي وهو يعلم حرمتها وهو مع ذلك يتساهل في الاستمرار عليها، ولا يعجل بالتوبة. ولهذا جاء في الآية السابقة قول الله تعالى: { فاستغفروا لذنوبهم … ولم يصروا} فجمع بين أمرين مهمين هنا وهما: سرعة الإفاقة من الذنب وسرعة الاستغفار قبل فوات الأوان، ويدل عليه الإتيان بالفاء ( فاستغفروا) وهي تفيد الترتيب والتعقيب، يعني حصول الاستغفار مباشرة عقب الذنب، فلم يحصل من الشخص تمادٍ وإصرار، الأمر الثاني: قوله: ( ولم يصروا) أي تابوا سريعاً ولم يتمادوا في الذنب.