مناقشة بحث الدكتور إبراهيم الناصر موقف الشريعة الإسلامية من المصارف (3) مناقشة ما ورد عن ابن عباس بأن الربا خاص بربا النسيئة [1] استدل الفخر الرازي على أن ابن عباس لم يرجع عن قوله بالأدلة التالية: أولًا: بالكتاب: وهو قوله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275]. ووجه الدلالة فيها: أن لفظ البيع عام، يتناول بيع الدرهم بالدرهمين، والربا خاص بربا النسيئة، الذي كان مشهورًا في الجاهلية، والحديث عنده خبر آحاد لا ينهض مخصصًا للآية. ثانيًا: بالسنة: وهي حديث أسامة عند الشيخين وغيرهما بلفظ: " إنما الربا في النسيئة " [2] ، وزاد مسلم عن ابن عباس: " لا ربا فيما كان يدًا بيد " [3]. الفرق بين ربا الفضل وربا النسيئة | موقع البطاقة الدعوي. وأخرج الشيخان عن أبي المنهال، قال: سألت زيد بن أرقم، والبراء بن عازب عن الصرف فقالا: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الذهب بالورق دَيْنًا [4]. ووجه الدلالة في هذه الأحاديث: أن الرواية الأولى قد قصرت الربا المحرم على ربا النسيئة فقط، والرواية الثانية نصت على نفي الربا عما إذا كان يدًا بيد، أما الرواية الثالثة قد صرحت بأن النهي عن الربا في حالة الدَّيْن فقط، ويؤخذ منه بطريق المفهوم إباحته عند المناجزة.
وهذا منقول عن عمر ابن الخطاب وابنه، وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل. ب- حكم الربا: قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: «أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه وتعاريفه». ونص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم الربا في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح. قال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة، بناء على أصلهم في نفي القياس. وقال جميع العلماء سواهم: لا يختص بالستة بل يتعدى إلى ما في معناها وهو ما يشاركها في العلة. ص26 - كتاب الربا - الفصل الثالث ربا النسيئة - المكتبة الشاملة. واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة: فقال الشافعية: العلة في الذهب، والفضة كونهما جنس الأثمان، فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات، وغيرها لعدم المشاركة، والعلة في الأربعة الباقية: كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم. ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة. أما في الأربعة الباقية فقال: العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له. وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: فهو أن العلة في الذهب، والفضة الوزن وفي الأربعة الكيل فيتعدى إلى كل موزون... وإلى كل مكيل. ومذهب أحمد، والشافعي في القديم، وسعيد بن المسيب: أن العلة في الأربعة كونها مطعومة موزونة، أو مكيلة، بشرط الأمرين.
8- وعن أبي سعيد قال: جاء بلال بتمر برني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أين هذا» ؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء بعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك «أوه، عين الربا، لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبعه ببيع آخر ثم اشتر به». 9- وعن أبي سعيد الخدري قال: كنا نرزق تمر الجمع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الخلط من التمر، فكنا نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا صاعي تمر بصاع، ولا صاعي حنطة بصاع، ولا درهم بدرهمين». 10- عن فضالة بن عبيد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز، وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب وزنا بوزن». 11- وعن فضالة أيضا قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل. ففي هذا الحديث أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل، فيباع الذهب بوزنه ذهبا، ويباع الآخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة لا تباع مع غيرها بحنطة، والملح مع غيره بملح، وكذا سائر الربويات بل لابد من فصلها، وهذه المسألة المشهورة والمعروفة بمسألة مد عجوة وصورتها باع مد عجوة ودرهما بمدي عجوة أو بدرهمين لا يجوز، لهذا الحديث.
يفهم من هذا أن الفضل ربا. وفي كتب الحنفية، كالمبسوط للسرخسي وغيره، ذُكرت روايات لحديث الأصناف الستة، جاء فيها هذه العبارة: والفضل ربا. ويمكن القول بأنه لو كانت المبادلة 100 غرام ذهب معجلة بـ: 101 غرام ذهب مؤجلة ، لكان فيها ربا فضل بمقدار الفرق بين الوزنين، وربا نَساء بمقدار الفرق بين الزمنين. والفضل في هذه المبادلة في مقابل النَّساء فيها، أي زيد في القدر لأجل النَّساء. واجتماع ربا الفضل وربا النَّساء هو ما يشكل ربا النسيئة، كما سيأتي. الغرض من هذه الأسطر الأربعة الأخيرة أن ربا الفضل يمكن أن يطلق أيضًا على مبادلة بين متجانسَيْن، أحدهما معجل والآخر مؤجل. وبهذا المعنى يزول الإشكال عند من استشكل معنى ربا الفضل وحرمته. ربا النَّساء: 100 غرام ذهب معجلة ب: 100 غرام ذهب مؤجلة ، فيها ربا نَساء. فالذي قبض المائة المعجلة أربى على الذي قبض المائة المؤجلة، لأن المعجل خير من المؤجل. فربا النَّساء: هو فضل التعجيل على التأجيل، أو فضل الحلول على التأخير، أو فضل العين على الدَّين. وفي بعض الكتب الفقهية يسمى هذا النوع "ربا النقد". وكلا المصطلحين مقبول، فإذا قلنا ربا نقد كان المعنى أن من حصل على النقد (الكاش) أربى على من حصل على المؤخر أو المؤجل.