الجهال من الناس هم فقط الذين يغترون بذوي الجاه والسلطان، فحين كان يخرج قارون في زينته بين الناس، كان الجهال يتمنون ما أوتي قارون أو بعضه، ظناً منهم أن ما هو فيه هو السعادة الحقيقية، لكن أهل البصائر ممن آتاهم الله العلم والحكمة كانوا يعلمون أن ما هو فيه إنما هو استدراج، فلما خسف الله به الأرض علم أولئك أجمعين أن ما عند الله هو خير وأبقى لعباده المؤمنين. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة القصص تفسير قوله تعالى: (فخرج على قومه في زينته... ) تفسير قوله تعالى: (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن... ) قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص:80]. بيان موقف أهل العلم من أبناء الدنيا (( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ))، أي: من الأحبار والعلماء من بني إسرائيل، (( وَيْلَكُمْ))، يا من تتمنون الحياة الدنيا وزخارفها وأموالها وباطلها، (( ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا))، ويلكم أيها المتمنون! ايات القران التي تتكلم عن: قارون. هذه الأموال وهذه المناظر البهية والبهجة التي عليها قارون ومن معه، (( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ))، أي: إنما ثواب الله وجزاؤه يكون بالجنة دار السلام، وبالتالي فأيهما خير، ملابس ومتعة يتمتع بها أياماً وتزول، أم الجنة دار الخلد والبقاء الأبدي؟ (( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا))، فالجنة لمن آمن وعمل صالحاً، أي: آمن فتخلى عن الشرك والكفر، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وعبد الله بما شرع، واجتنب ما حرم، فهذا هو الوارث للجنة، فالجنة خير له من الدنيا بما فيها.
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ يقول تعالى مخبراً عن قارون أنه خرج ذات يوم على قومه، في زينة عظيمة وتجمل باهر، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زخارفها وزينتها، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي {قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم} أي ذو حظ وافر من الدنيا، فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم {ويلكم ثواب اللّه خير لمن آمن وعمل صالحاً} أي جزاء اللّه لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون. كما في الحديث الصحيح: (يقول اللّه تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرءوا إن شئتم: {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون})، وقوله: {ولا يلقاها إلا الصابرون} قال السدي: ولا يُلَقّى الجنة إلا الصابرون، كأنه جعل ذلك من تمام كلام الذين أوتوا العلم، وقال ابن جرير: ولا يلقى هذه الكلمة إلا الصابرون عن محبة الدنيا الراغبون في الدار الآخرة، وكأنه جعل ذلك مقطوعاً من كلام أولئك وجعله من كلام اللّه عزَّ وجلَّ وإخباره بذلك.
[القصص: 79] فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ الجلالين الطبري ابن كثير القرطبي البيضاوي البغوي فتح القدير السيوطي En1 En2 79 - (فخرج) قارون (على قومه في زينته) باتباعه الكثيرين ركبانا متحلين بملابس الذهب والحرير على خيول وبغال متحلية (قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا) للتنبيه (ليت لنا مثل ما أوتي قارون) في الدنيا (إنه لذو حظ) نصيب (عظيم) واف فيها يقول تعالى ذكره: فخرج قارون على قومه في زينته، وهي فيما ذكر ثياب الأرجوان. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا طلحة بن عمرو، عن أبي الزبير، عن جابر " فخرج على قومه في زينته " قال: في القرمز. قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد " فخرج على قومه في زينته " قال: في ثياب حمر. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد " فخرج على قومه في زينته " قال: على براذين بيض، عليها سروج الأرجوان، عليهم المعصفرات. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد " فخرج على قومه في زينته " قال: عليه ثوبان معصفران.
⁕ حدثنا ابن المثني، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع إبراهيم النخعي، قال في هذه الآية ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ قال: في ثياب حمر. ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم النخعيّ، مثله. ⁕ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم مثله. ⁕ حدثنا محمد بن عمرو بن علي المقدمي، قال: ثنا إسماعيل بن حكيم، قال: دخلنا على مالك بن دينار عشية، وإذا هو في ذكر قارون، قال: وإذا رجل من جيرانه عليه ثياب معصفرة، قال: فقال مالك: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ قال: في ثياب مثل ثياب هذا. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾: ذكر لنا أنهم خرجوا على أربعة آلاف دابة، عليهم وعلى دوابهم الأرجوان. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ قال: خرج في سبعين ألفا، عليهم المعصفرات، فيما كان أبي يذكر لنا. ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ يقول تعالى ذكره: قال الذين يريدون زينة الحياة الدنيا من قوم قارون: يا ليتنا أُعطينا مثل ما أعطي قارون من زينتها ﴿إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ يقول: إن قارون لذو نصيب من الدنيا.