وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء: اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى. الثالثة: روى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن إنشاد الشعر فقال: لا تكثرن منه ، فمن عيبه أن الله يقول: وما علمناه الشعر وما ينبغي له قال: ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - - كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن اجمع الشعراء قبلك ، وسلهم عن الشعر ، وهل بقي معهم معرفة ، وأحضر لبيدا ذلك ، قال: فجمعهم فسألهم فقالوا: إنا لنعرفه ونقوله. وسأل لبيدا فقال: ما قلت شعرا منذ سمعت الله - عز وجل - يقول: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه. قال ابن العربي: هذه الآية ليست من عيب الشعر ، كما لم يكن قوله: وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك من عيب الكتابة ، فلما لم تكن الأمية من عيب الخط ، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عيب الشعر. روي أن المأمون قال لأبي علي المنقري: بلغني أنك أمي ، وأنك لا تقيم الشعر ، وأنك تلحن. وما علمناه الشعر. فقال: يا أمير المؤمنين ، أما اللحن فربما سبق لساني منه بشيء ، وأما الأمية وكسر الشعر فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكتب ولا يقيم الشعر. فقال له: سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعا وهو الجهل ، يا جاهل!
والحق أن النص الإبداعي لا يقبل أن يقع تحت سلطة النقد ، بل على النقد أن يتبع سلطة النص ، وبالتالي لن يكون النقد حكما على النص بل مستفيدا منه.
قال: (( فاسمع مني)).. وقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم صدراً من سورة (( فصّلتْ)) وعتبة ينصت مأخوذاً من بلاغة القرآن ، فلما قام إلى قومه قال بعضهم لبعض: نحلف بالله ، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال: ورائي ؟!! أني سمعت قولاً ، والله ما سمعت بمثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة. يا معشر قريش ؛ أطيعوني واجعلوها لي ، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فوالله ليكوننَّ لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم (4). قَلْبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم موصول بالله وقراءته تنبع بجلالها وجمالها وحسن ترتيلها من هذا القلب العظيم بهذا القول الجليل ، وعتبة ذوّاقة ، أديب ، أريب.. وما علمناه الشعر - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. قادته فطرته إلى أن هذا القرآن الذي سمعه ليس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحكمَ بما حكم ، وأبدى رأيه وانسحب.. والقرآن الكريم يؤكد هذا ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41)) (5) ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)) (6). وقد كان صلى الله عليه وسلم ، وهو أفصح الناس وأعظمهم بلاغة يطرب للشعر ويعرف له مكانته وتأثيره في نفوس العرب ، فقد روى النسائي (7) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة الشاعر يمشي بين يديه وهو يقول: خلّوا بني الكفارِ عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيلهِ ضرباً يُزيل الهام عن مقيله ويُذهل الخليلَ عن خليلهِ فقال له عمر رضي الله عنه: يا ابن رواحةَ ، بين يَدَيْ رسول الله ، وفي حرم الله تقول شعراً ؟!!
إن ذلك كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضيلة ، وهو فيك وفي أمثالك نقيصة ، وإنما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لنفي الظنة عنه ، لا لعيب في الشعر والكتابة. الرابعة: قوله تعالى: وما ينبغي له أي: وما ينبغي له أن يقوله. وجعل الله - جل وعز - ذلك علما من أعلام نبيه - عليه السلام - لئلا تدخل الشبهة على من أرسل إليه ، فيظن أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر. ولا اعتراض لملحد على هذا بما يتفق الوزن فيه من [ ص: 52] القرآن وكلام الرسول ، لأن ما وافق وزنه وزن الشعر ، ولم يقصد به إلى الشعر ليس بشعر ، ولو كان شعرا لكان كل من نطق بموزون من العامة الذين لا يعرفون الوزن شاعرا ، على ما تقدم بيانه. وقال الزجاج: معنى وما ينبغي له أي: ما يتسهل له قول الشعر لا الإنشاء. إن هو إلا ذكر وقرآن مبين أي: هذا الذي يتلوه عليكم إلا ذكر وقرآن مبين قوله تعالى: لينذر من كان حيا أي حي القلب ، قال قتادة. الضحاك: عاقلا. وقيل: المعنى لتنذر من كان مؤمنا في علم الله. هذا على قراءة التاء خطابا للنبي - عليه السلام - ، وهي قراءة نافع وابن عامر. أ.د. إبراهيم عوض – وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ – رسالة بوست. وقرأ الباقون بالياء على معنى لينذر الله - عز وجل - ، أو لينذر محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أو لينذر القرآن.
4- ويزداد الأمر سوءا إذا كان يمدح طلبا للمال ورغبة فيه ، فهذا يدل على ضعف التوكل على الله ، وقلة المروءة وذل المرء لنفسه. 5- ومن المفاسد كذلك ما نسمعه من كثير من الشعراء من الطعن في الأنساب والسخرية بالقبائل وهجائها. وهذا من أفعال أهل الجاهلية التي ذمها صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: " أعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهاجى القبيلة بأسرها " رواه ابن ماجه.
{ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} أي: مبين لما يطلب بيانه. ولهذا حذف المعمول، ليدل على أنه مبين لجميع الحق، بأدلته التفصيلية والإجمالية، والباطل وأدلة بطلانه، أنزله اللّه كذلك على رسوله.
ثمَّ التفتَ إلى أبي هُرَيْرةَ فقالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ! أسمِعتَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: أجِبْ عنِّي. اللَّهمَّ أيِّدهُ بروحِ القُدسِ؟ فقالَ: اللَّهمَّ نعم". ثم ماذا فى الشعر من إثم يجعله حراما؟ إنه كلام كباقى الكلام: فما كان من الكلام حراما فهو فى الشعر حرام، وما كان منه حلالا فهو فيه حلال، وما كان منه واجبا مفروضا فهو فيه واجب مفروض. ولا ننس أن ما فى الشعر من جمال تعبيرى وتوقيعى وتصويرى يجعل حتى حلاله وواجبه أجمل وأمتع، ومن ثم يجعل تأثيره أقوى وأشد وأعمق. ولا ننس أن الشعراء إنما يعبرون عن آمالنا وآلامنا ويخففون عنا ما فى الحياة من إزعاج وملل وضيق، ويجعلون الثَّقْب الضيق الذى ننظر منه عادة إلى الوجود نافذة واسعة نتنفس وننظر منها على راحتنا، فنرى العالم أكثر حياة وأغنى مشاعر وأحلى منظرًا ومستمَعًا ومتنفَّسًا. من هنا فلا معنى البتة للحديث عن حرمة الشعر فى الإسلام، فالإسلام لم يأت للتضييق على الناس وإعناتهم، بل للتخفيف عنهم وتجميل حياتهم بقدر المستطاع. وما علمناه الشعر وما ينبغي. وأخيرا لو كان الإسلام قد حرَّم على العرب آنذاك الشعر فما الذى يا ترى يتبقى لهم فى ميدان الثقافة الفكرية يعتد به؟ شاهد أيضاً كاريكاتير الكلمة "بلا قافية" ا.