{لَهُ ملك السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} ملكًا وخلقًا وعبيدًا، يتصرَّفُ فيهم بما شاءَهُ مِن أوامرِهِ القدريَّةِ والشَّرعيَّةِ، الجاريةِ على الحكمةِ الرَّبانيَّةِ، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} مِن الأعمالِ والعمَّالِ، فيُعرَضُ عليهِ العبادُ، فيَمِيْزُ الخبيثَ مِن الطَّيِّبِ، ويجازي المحسِنَ بإحسانِهِ، والمسيءَ بإساءتِهِ.
يسبح لله مافي السموات والارض
فإنا نقول: ذلك محمول على أحكام الدنيا ، مثل الطلاق والعتاق والبيع التي لا يلزمه حكمها ما لم يتكلم به ، والذي ذكر في الآية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين الله تعالى في الآخرة. وقال الحسن: الآية محكمة ليست بمنسوخة. قال الطبري: وقال آخرون نحو هذا المعنى الذي ذكر عن ابن عباس ، إلا أنهم قالوا: إن العذاب الذي يكون جزاء لما خطر في النفوس وصحبه الفكر إنما هو بمصائب الدنيا وآلامها وسائر مكارهها.
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} وهذا من تدبيرِه أيضًا أنَّه يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ يُدخلُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ فيأخذُ منه، وبالعكسِ {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} فإذا ولجَ اللَّيلُ في النَّهار قصرَ النَّهارُ وطالَ اللَّيلُ، وبالعكسِ إذا وقت ولوج النَّهار يقصرُ اللَّيلُ ويطولُ النَّهارُ. {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} علمُه تعالى محيطٌ بكلِّ شيءٍ، يحيطُ بما في النُّفوسِ فيعلمُ النِّيَّاتِ ويعلمُ الخواطرَ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:284]، {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران:29]، فاللهُ عليمٌ بما تسرُّه النُّفوسُ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16]، أنتَ تفكِّرُ -يا إنسانُ- تفكِّرُ في أمرٍ من الأمور واللهُ يعلمُ ماذا تفكِّر فيه من خيرٍ أو شرٍّ أو بينَ ذلكَ.