قواعد ما هذا التعثر والتقهقر والتأزّم؟ كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ.. والماء فوق ظهورها محمول!!
أصوات لعل أقرب ما يصدق على الواقع العراقي بعد احتلاله الأمريكي، هو البيت العربي الشهير القائل: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول!! ليس على صعيد عدم تمتع العراقيين بثروتهم الوطنية، أيام صدام وبعد انهياره.. فهاهو النفط يهرب إلى خارج بلادهم، بعدما وضعت أمريكا يدها عليه أمانة!! كما ادّعت تصريحات صقور الإدارة، عشية احتلالها لهذا البلد المنكوب! ليس هذا وحده... وإنما انفراط اتفاقهم حول برنامج عملي، يخرج بالعراق والعراقيين من عنق الزجاجة، الذي وضعتهم فيه واشنطن.. فهل مشروع مجلس الحكم المكون من 25عنصرا عراقياً، يمثلون ألوان الطيف الاثني والديني والمذهبي والايدلوجي.. هو مخرجهم الذهبي.. ومخرج الأمريكان كذلك من هذه الورطة المركبة؟! @ لا نريد الوقوف عند دور قوات الاحتلال في صياغة هذا المجلس.. فلذلك سابقة بريطانية.. منذ نشأت أول دولة عراقية حديثة، صنعت على عين ويد لندن الامبراطورية، وذلك بعد مؤتمر القاهرة برئاسة وزير المستعمرات البريطانية ونستون تشرشل، وحضور برسي كوكس معتمد الاحتلال في بغداد، وسكرتيرته الخطيرة المس غروتدبيل، ووجوه عراقية، معظمها عساكر انضموا إلى حركة الملك فيصل الأول، بعد أن طرده الفرنسيون من دمشق ، وقبوله بحكم العراق وفق إرادة بريطانية.
كتب ـ أحمد الجارالله: بغض النظر عما آلت إليه أحداث العقد الماضي، من عنف وإطاحة أنظمة، وإعدامات وتنكيل وحروب أهلية، فإن هذا الزلزال العنيف الذي خلخل العالم العربي لم يحصل من فراغ، بل تهيأت له كل الأسباب لاهتزاز الأرض تحت أقدام أنظمة توهّمت أن الأمر استقر لها، وأن القوى المتربصة بها لا قدرة لها على تحريك الشارع. هذه الغفلة عن سماع صوت الناس، أسقطت نظام زين العابدين بن علي في غضون 23 يوماً من التحرك، وكذلك النظام المصري القديم بعد 18 يوماً من التظاهرات، فيما في ليبيا واليمن كانت القصة أكثر دموية مما اعتقد صناع القرار فيهما… وكأن قادة تلك الدول تمثلوا بقول طرفة بن العبد "كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمولُ". في هذا الشأن، تحضرني قصة تروى عن رجل ثري كان يفوق أهل بلده جميعاً ثروة، ومع ذلك فهو شديد البخل، لدرجة أنه لا يأكل اللحم إلا كل يوم جمعة فيذهب إلى الجزار ويشتري منه رأس خروف، ولذلك لقبه أهل بلدته بـ"أبو الروس"، وكان أهل بيته مع تذمرهم من شحه هذا صابرين، وينتظرون الفرج بموته. ذات يوم سافر إلى بلدة مجاورة لقضاء عمل تجاري، فصادفه عند مدخلها رجل وقور، جميل الهندام، حيَّاهُ وَلَزِمَهُ، كما هي عادة العرب في ذلك الوقت حين لقاء الغرباء الوافدين على بلدتهم؛ فوجد ذلك الشحيحُ عند هذا الرجل بعدما مكث ثلاثة أيام ما لم يكن يتوقعه، فخامةَ بيته، وطيبَ مائدته، وكثرةَ أصناف طعامه.