هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم، فتعسا لهم وأضل أعمالهم، أعوذ بك يا رب من الحور بعد الكور (1). بيان: الجدث: القبر ، والمجدوث: المحفور. **الحور بعد الكور**. قال الجزري: فيه " نعوذ بالله من الحور بعد الكور " أي من النقصان بعد الزيادة، وقيل: من فساد أمورنا بعد صلاحها، و قيل: من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا منهم، وأصله من نقض العمامة بعد لفها (2). 225 - الكفاية: علي بن الحسن بن محمد بن منده، عن محمد بن الحسين الكوفي، عن إسماعيل بن موسى بن إبراهيم ، عن محمد بن سليمان بن حبيب، عن شريك ، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس ، قال: خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة (3) فقال فيما قال - في آخرها -: ألا وإني ظاعن عن قريب (4) ومنطلق إلى المغيب، فارتقبوا الفتنة الأموية ، والمملكة الكسروية وإماتة ما أحياه الله، وإحياء ما أماته الله، واتخذوا صوامعكم بيوتكم. وعضوا على مثل جمر الغضا (5)، واذكروا الله كثيرا فذكره أكبر لو كنتم تعلمون. ثم قال: وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل والفرات ، فلو رأيتموها مشيدة بالجص والآجر ومزخرفة بالذهب والفضة واللازورد المستسقى والمرمر والرخام وأبواب العاج والآبنوس والخيم والقباب والستارات، وقد عليت (6) بالساج والعرعر والصنوبر والشب (7)، وشيدت بالقصور، وتوالت عليها ملوك بني الشيصبان أربعة و (١) كفاية الأثر: ٢٦ و ٢٧.
اللهم آمين ، فإن الأمر خطير جداً ، والموفق من وفقه الله والمعصوم من عصمه الله
وفي التفسير الميسّر: "ولو شئنا أن نرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا، ولكنه ركن إلى الدنيا واتبع هواه، وآثر لَذاته وشهواته على الآخرة، وامتنع عن طاعة الله وخالف أمره. فمثل هذا الرجل مثل الكلب، إن تطرده أو تتركه يخرج لسانه في الحالين لاهثاً". وقال الإمام البغوي في هذه الآية: "إن وعظته فهو ضال وإن تركته فهو ضال كالكلب... ". ولئن لم يتعهد هؤلاء أنفسهم ويثوبوا لرشدهم ويتوبوا لربهم، يوشكوا أن يخسروا الدنيا والآخرة. واعلم أخي أن الابتلاء من سنن الله تعالى لعباده المؤمنين ليتبين له الذين صدقوا ويعلم الكاذبين: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهَُّ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2]. ولأن عبودية الله وحده هي غاية خلق العباد: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:65]، اقتضت منا هذه الغاية أن تكون عبوديتنا لله تعالى في السراء والضراء، وفي اليسر والعسر، وفي المحاب والمكاره، وفي جميع الأحوال، فالمسلم الصادق هو الذي يستقيم على طاعة ربه مهما اشتد البلاء، ومهما كثرت الفتن وتلاحقت المحن، وقد بيّن صلى الله عليه وسلم جزاء المتمسك بدينه الصابر عليه في مثل هذه الأ يام حين قال: « إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين »، قال: يا نبي الله منا أو منهم؟ قال: « بل منكم ».