فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير الفاء لتسبب هذا الوعيد عن الأمر بالإنذار في قوله فأنذر ، أي: فأنذر المنذرين وأنذرهم وقت النقر في الناقور وما يقع يومئذ بالذين أنذروا فأعرضوا عن التذكرة ، إذ الفاء يجب أن تكون مرتبطة بالكلام الذي قبلها. ويجوز أن يكون معطوفا على ( فاصبر) بناء على أنه أمر بالصبر على أذى المشركين. والناقور: البوق الذي ينادى به الجيش ويسمى الصور وهو قرن كبير أو شبهه ينفخ فيه النافخ لنداء ناس يجتمعون إليه من جيش ونحوه ، وقال خفاف بن ندبة: إذا ناقورهم يوما تبدى أجاب الناس من غرب وشرق ووزنه فاعول وهو زنة لما يقع به الفعل من النقر وهو صوت اللسان مثل [ ص: 301] الصفير فقوله نقر ، أي: صوت ، أي: صوت مصوت. وتقدم ذكر الصور في سورة الحاقة. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة المدثر - الآية 8. و ( إذا) اسم زمان أضيف إلى جملة نقر في الناقور وهو ظرف وعامله ما دل عليه قوله فذلك يومئذ يوم عسير ؛ لأنه من قوة فعل ، أي: عسر الأمر على الكافرين. وفاء ( فذلك) لجزاء ( إذا) ؛ لأن ( إذا) يتضمن معنى شرط. والإشارة إلى مدلول ( إذا نقر) ، أي: فذلك الوقت يوم عسير. و ( يومئذ) بدل من اسم الإشارة وقع لبيان اسم الإشارة على نحو ما يبين بالاسم المعروف بـ ( أل) في نحو ذلك الكتاب لا ريب فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: ( فإذا نقر في الناقور ( 8) فذلك يومئذ يوم عسير ( 9) على الكافرين غير يسير ( 10) ذرني ومن خلقت وحيدا ( 11) وجعلت له مالا ممدودا ( 12)). يعني جل ثناؤه بقوله: ( فإذا نفخ في الصور) فذلك يومئذ يوم شديد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. معنى قوله تعالى: [فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ]. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن فضيل وأسباط ، عن مطرف ، عن عطية العوفي ، عن ابن عباس ، في قوله: ( فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر ينفخ فيه " ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نقول ؟ فقال: تقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا ". حدثني يعقوب ، قال: ثنا ابن علية ، قال: أخبرنا أبو رجاء ، عن عكرمة ، في قوله: ( فإذا نقر في الناقور) قال: إذا نفخ في الصور. حدثنا محمد بن المثنى ، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال: ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن عكرمة ، في قوله: ( فإذا نقر في الناقور) مثله. حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا وكيع ، عن شريك ، عن جابر ، عن مجاهد ( فإذا نقر في الناقور) قال: إذا نفخ في الصور.
لقد استغرق الإيمان لدخول قلبي قرابة خمسة سنوات، إذ كانت نفسي تطيش، حين ناهزت السابعة عشر، بين شتى الشكوك و الخيالات التي رسبها في الذهن هذا الكم الهائل من المدخلات – أفلام، موسيقى، ثقافة تقهقر، حكايات شر لذيذ و خير مرير، إلخ - التي ما ان قلت "أنا بلغت" حتى اسكبت أنهارا في عقلي. الكلام مبهم؟ دعني أسألك: هل وجدت نفسك يوما تريد أن تدعو ربك فانفجرت الخواطر في نفسك تحول بينك و بين الدعاء، فرأيت لعلك إن أخذت نفسا عميقا ثم كتمته ثم أغلقت عيناك فقد تشعر بأنك أكثر تريكزا في الدعاء؟ ثم عمدت إلى الروايات عن أهل اليقين، مثل الصحابة و التابعين و أهل الصلاح اللاحقين بهم، فرأيت مما قرأت عنهم، لا مما رأيت في كلام الله، أنه بواقع حالي كمسلم، فأنا مسلم قلبا و قالبا، و مؤكد أن كل ما يجري في عقلي فإنما هو هواجس عابرة يحرم على الوقوف عليها. ثم مرت السنوات، و الأحداث، و أنا مرتكز على نفس الفكرة: أنا مسلم قلبا و قالبا، و الناس كلهم نيام و أنا ممن أيقظهم الله. و بعد زمن، وجدتني أغطهم نوما. لا يوجد نور، و لا يقين، و لا إخلاص، و لا تخلق بالقرآن، و لا شيء من هذا. إكتشفت أني كنت غريق في كم هائل من الإنطباعات عن الصلاح و الصالحين، ليس إلا.
هذا الكلام يخاطبك أنت، فيسألك: " فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ". مال هذا الكلام يعمد إلى إقامة نفسه حجة على عقلي، من دون أن يحتاج إلى خبير به يقيمه و يكشف أسراره أمامي؟ إن هذا الكلام أحالني إلى شيء ماثل حولي: أهل الكتاب. و ما أن سالني حتى أجابني: " لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ". أكون من الممترين؟ الحق من ربي؟ أليس هذا تحديا لتفكيري؟ إن هذا الكلام كأنه يقوم لي: شك فيّ ما شئت، و اسأل عني من اردت، و لكن لا تتمارى بي، لأنني نبعت عن الذي خلقك، فأنا أعمق من أن توقن بي جملة واحدة، و أعظم من أن تتجادل في شأني جدلا فارغا. إن كلام الله لينقر في القلب نقرا، و ما هو إلا حروف مسطورة في كتاب. يأخذ الروح و يلهب المشاعر، و ترى نفسك ترتعد منه أحيانا و تسعد أحيانا أخرى، و الكلام ماثل مكانه. و أحاول هنا أن أشارك ما يفعله هذا الكلام في نفسي معك، عزيز القارئ.