صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبادة إلا ولها صفة وكيفية; قد تكفل الله - سبحانه - ببيانها; أو بينها رسوله - صلى الله عليه وسلم -; وقد حجَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة حجة واحدة; وهي التي سميت بـحجة الوداع; لأنه ودع فيها الناس; وفي هذه الحجة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - للأمة مناسك الحج; فقال - صلى الله عليه وسلم -: «خذوا عنّي مناسككم»; وفي هذا الكتاب بيان لصفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -. 70 0 202, 068
وهناك سقط رجلٌ من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يكفن في ثوبه، ولا يمس بطيب، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ولا وجهه، وأخبر أنه يبعث يوم القيامة يلبي. النبي صلى الله عليه وسلم في مزدلفة ومنى: فلما غربت الشمس أفاض من عرفة ، وأردف خلفه أسامة بن زيد، وكانت إفاضته بالسكينة حتى أنه صلى الله عليه وسلم ضم زمام ناقته حتى أنّ رأسها ليصيب طرف رجله، ويقول: أيها الناس عليكم السكينة، فإن البرّ ليس بالإيضاع, أي: ليس بالإسراع.. حج النبي صلى الله عليه وسلم - تعلم. (سبل الهدى والرشاد: ٨/٤٧٢) وأثناء الطريق مال صلى الله عليه وسلم إلى الشعب فنزل وبال وتوضأ، فقال أسامة: الصلاة يا رسول الله، - أي صلاة المغرب - فقال: الصلاة أمامك. ثم سار حتى وصل مزدلفة، فتوضأ وضوء الصلاة، وأمر بالأذان ثم أقام الصلاة فصلى المغرب والعشاء ولم يصل بينهم شيئاً ثم نام حتى الصباح. فصلى الفجر، وكان يوم النحر يوم العيد، ثم سار بمزدلفة وقد أردف الفضل بن عباس خلفه وهو يلبي في مسيره، وفي طريقه أمر الفضل أن يجمع له حصى الجمار، وفي طريقه صلى الله عليه وسلم عرضت له امرأة من خثعم، فسألته عن الحج عن أبيها الذي لا يثبت على الراحلة، وسأله آخر عن أمه، فلما وصل بطن مُحَسِّر حيث حُسر الفيل فيه وأصابه ما أصابه أسرع النبي صلى الله عليه وسلم السير، فأتى جمرة العقبة فوقف أسفل الوادي وجعل البيت عن يساره ومنىً عن يمينه، واستقبل الجمرة على راحلته فرماها راكباً بعد طلوع الشمس وهو يكبر مع كل حصاة وكان يلبي حتى شرع في الرمي وبلال وأسامة معه، أحدهما آخذ بخطام ناقته، والآخر يظله بثوبٍ من الحر.
حجة الوداع: في السنة العاشرة من الهجرة أُذِّنَ في الناس أنْ النبي صلى الله عليه وسلم عزم على الحج، حينها لم يبق أحد سمع بذلك ويقدر على الحج راكباً أو ماشياً إلا أتى المدينة، وكذلك في طريق سيره صلى الله عليه وسلم إلى مكة لحق به خلق كثير، كلهم يلتمس أن يحج مع النبي عليه الصلاة والسلام وأن يتأسى به ويعمل مثل عمله صلى الله عليه وسلم، ومما جرى حينها أن أصاب الناس جدري فمنع بعضهم من المشاركة في ذلك الحج العظيم الكريم، فقال صلى الله عليه وسلم: عمرة في رمضان تقضي حجة معي.
(سبل الهدى والرشاد: ٨/٤٦٤) واستقبل البيت فوحد الله وكبره، فسعى إلى المروة وفعل كما فعل في الصفا وهكذا سبعاً صلى الله عليه وسلم. استثمر الرسول صلى الله عليه وسلم موسم الحج في الدعوة - منبع الحلول. وبعد أداء العمرة، سار صلى الله عليه وسلم والناس معه فنزل شرقي مكة في قبة حمراء من أدم، وحينها قدِمَ علي رضي الله عنه من اليمن بِبُدنٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مجموع الهدي ما أتى به علي رضي الله عنه من اليمن وما ساقه النبي صلى الله عليه وسلم مئة بدنة. تبرك الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم: وبقي في مقامه الذي نزل فيه (بظاهر مكة) إلى يوم التروية، أي أربعة أيام يقصر الصلاة (الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء)، ومما جرى من أحداث أنّ بلال رضي الله عنه خرج من قبة النبي صلى الله عليه وسلم بفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم فسارع الناس للأخذ منه تبركاً به، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلةٌ حمراء، فصلى بالناس، ثم جعل الناس يأخذون بيده الشريفة فيمسحون بها وجوههم، يقول أبو جحيفة رضي الله عنه: فأخذت يده صلى الله عليه وسلم فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك. (سبل الهدى والرشاد: ٨/٤٦٨) خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجَّةِ الوداع: فلما كان يوم الخميس ضُحى توجه صلى الله عليه وسلم إلى منى فنزل بها وصلى فيها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء وبات فيها، فلما طلعت الشمس سار صلى الله عليه وسلم إلى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له هناك فنزل فيها، حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فخطب الناس قبل الصلاة على راحلته خطبة عظيمة جليلة، التي عُرفت بخطبة الوداع، التي حملت معانٍ كريمة، وقيم عظيمة، منها: - تحريم دماء وأموال المسلمين.