قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل، وتلك سُنَّة مأمور بها، رفقا بالناس؛ لشياطين الإنس والجن، وأمَّا قوله: «فَإِنَّ الشيطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا غَلَقًا، وَلاَ يَحُلُّ وِكَاءً» فذلك إعلام منه، وإخبار عن نِعَم الله -عزَّ وجلَّ- على عباده من الإنس، إذ لم يُعْطَ قوة على فتح باب، ولا حل وِكَاء، ولا كشف إناء، وأنه قد حُرِم هذه الأشياء، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل، والولوج حيث لا يلج الإنس» [5]. وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله: «ويُسَنّ إذا جنّ الليل تغطية الإناء ولو بعرض عود، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب مسمياً الله تعالى في الثلاثة، وكفّ الصبيان، والماشية أول ساعة من الليل، وإطفاء المصباح للنوم» [6]. اذن المغرب بالمدينة المنورة. • وكفِّ الصبيان، وإغلاق الأبواب أول المغرب إنما هو من باب الاستحباب [7]. الأمر الثالث: صلاة ركعتين قبل المغرب. لحديث عبداللّه بن مُغَفَّل المُزني رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ»، -قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ»، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً [8].
قال النَّووي رحمه الله: «فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ» أي امنعوهم من الخروج ذلك الوقت. قوله صلى الله عليه وسلم: «فَإنَّ الشيطَانَ يَنْتَشـر» أي جنس الشـيطان، ومعناه: أنه يُخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشـياطين؛ لكثرتهم حينئذٍ -والله أعلم-. اذن المغرب بالمدينه المنورة. قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُرْسِلُوا فَوَاشـيكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشـياطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ». قال أهل اللغة: (الفواشـي): كل منتشـر من المال، كَـ: الإبل، والغنم، وسائر البهائم، وغيرها وهي جمع (فاشـية)؛ لأنها تفشوا –أي تنتشـر في الأرض-. و(فحمة العشاء): ظلمتها، وسوادها، وفسـرها بعضهم هنا: بإقباله، وأول ظلامه، وكذا ذكره صاحب نهاية الغريب، قال: ويقال: للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء (الفحمة)، وللتي بين العشاء والفجر (العسعسة)» [3]. وبعدما تذهب مُدَّة من دخول الليل لا بأس بإطلاق الصبيان؛ لأنَّ الوقت الذي تنتشـر فيه الشياطين قد ذهب، وقد يُفهم من هذا -والله أعلم- أنَّ الشياطين بعد هذه المُدَّة وجدت مأوى لها. والحكمة من انتشار الشياطين في هذا الوقت دون النهار، كما ذكر ابن حجر رحمه الله: «لأنَّ حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار؛ لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وكذلك كل سواد» [4].
السؤال في مسجد الحيّ عندنا يقوم بعض الناس بصلاة ركعتين نافلة بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب ، والبعض الآخر لا يصلي ، ويعترض على من يصلي ، ويُثار الجدل تبعاً لذلك ، فما القول الصحيح في هذه المسألة ، لقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليها ، فما دليل من يصلي هاتين الركعتين ، وقرأت أيضاً أن هناك أحاديث بهذا الخصوص ولكنها منسوخة ، فأرجو التوضيح ، مع ذكر القول الراجح بالدليل ؟ الحمد لله. اختلف الفقهاء في حكم صلاة ركعتين بين أذان المغرب والإقامة ، وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: الاستحباب ، وإليه ذهب الشافعية وابن حزم الظاهري ، واستدلوا على ذلك بأدلة: 1- عن عبد الله المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ. - قَالَ فِي الثَّالِثَةِ -: لِمَنْ شَاءَ ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً) رواه البخاري (1183) وبوب عليه الإمام البخاري رحمه الله بقوله: باب الصلاة قبل المغرب.
وما قيل: المثبت أولى من النافي فيترجح حديث أنس على حديث ابن عمر: ليس بشيء,... فإنه لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر ، بل ولا على أحد ممن يواظب الفرائض خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل ولا على من لم يواظب ، بل يحضرها خلفه أحيانا. عشريني يحاول الانتحار قبيل اذان المغرب ضواحي الناظور | أريفينو.نت. ثم الثابت بعد هذا هو نفي المندوبية, أما ثبوت الكراهة فلا ، إلا أن يدل دليل آخر, وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا من القنية استثناء القليل ، والركعتان لا تزيد على القليل إذا تجوز فيهما " انتهى من " فتح القدير " (1/445-446) ويقول الحطاب المالكي رحمه الله: " اختلف فيمن كان في المسجد منتظراً للصلاة ، هل له أن يتنفل فيما بين الأذان والإقامة – والسياق عن أذان المغرب -؟ فقيل: له ذلك ، على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك. وقيل: ليس له ذلك ، وهو مذهب مالك على ما رواه ابن القاسم عنه في هذه الرواية. وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر " انتهى من " مواهب الجليل " (1/418) القول الثالث: الجواز ، وهو معتمد مذهب الحنابلة. ودليله عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ( كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا ؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا ، وَلَمْ يَنْهَنَا) رواه مسلم (836) يقول المرداوي رحمه الله: " تباح صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب على الصحيح من المذهب ، نص عليه – يعني الإمام أحمد -، وعليه جمهور الأصحاب ، وجزم به في المغني, والشرح, وهو من المفردات.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن للمغرب بادروا بصلاة ركعتين قبل الإقامة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهدهم ولا ينهاهم عن ذلك بل قد أمر بذلك كما في الحديث المذكور آنفا. " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (7/161). اذن المغرب بالمدينه المنوره. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ".. صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب أي بين الأذان والإقامة سنة ، لكنها ليست راتبة، فلا ينبغي المحافظة عليها دائماً " انتهى من "فتاوى ابن عثمين" (14/272). والله أعلم.
يقول ابن الهمام الحنفي رحمه الله: " إذ قد صح حديث ابن عمر عندنا عارض ما صح في البخاري, ثم يترجح هو بأن عمل أكابر الصحابة كان على وفقه ، كأبي بكر وعمر ، حتى نهى إبراهيم النخعي عنهما... حكم الركعتين بين أذان المغرب وإقامتها - الإسلام سؤال وجواب. بل لو كان حسنا – يعني درجة ثبوت حديث ابن عمر - فالحسن يرتفع إلى الصحة بقرينة أخرى ـ كما قلنا ـ من عمل أكابر الصحابة على وفق ما قلناه ، وتركهم لمقتضى ذلك الحديث, وكذا أكثر السلف, ومنهم مالك نجم الحديث. وما زاده ابن حبان على ما في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما ، لا يعارض ما أرسله النخعي من أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما ، لجواز كون ما صلاه قضاء عن شيء فاته ، وهو الثابت. روى الطبراني في مسند الشاميين عن جابر قال: ( سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل المغرب ؟ فقلن: لا, غير أم سلمة قالت: صلاها عندي مرة ، فسألته ما هذه الصلاة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نسيت الركعتين قبل العصر فصليتهما الآن) والذي يظهر أن مثير سؤالهم ظهور الرواية بهما مع عدم معهوديتهم في ذلك الصدر, فأجاب نساؤه اللاتي يعلمن من عمله ما لا يعلمه غيرهن بالنفي عنه ، وأجاب ابن عمر بنفيه عن الصحابة أيضا.