وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) ( وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ). واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه من أهل المدينة أبو جعفر وعامة قرّاء الكوفة ( بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ) بالتاء أيضا وفتحها وإثبات الألف فيها، بمعنى: ولا يحضّ بعضكم بعضًا على طعام المسكين. وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء المدينة بالتاء وفتحها وحذف الألف ( وَلا تَحُضُّون) بمعنى: ولا تأمرون بإطعام المسكين. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة ( يَحُضُّون) بالياء وحذف الألف بمعنى: ولا يكرم القائلون إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ربي أكرمني، وإذا قدر عليه رزقه ربي أهانني - اليتيم - ( ولا يحضون على طعام المسكين) وكذلك يقرأ الذين ذكرنا من أهل البصرة ( يُكْرِمُونَ) وسائر الحروف معها بالياء على وجه الخبر عن الذين ذكرت. وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ ( تُحاضُّونَ) بالتاء وضمها وإثبات الألف، بمعنى: ولا تحافظون. في قوله تعالى"وَلَا يَحُضُ على طَعَامِ المِسكين" معنى يحض - رمز الثقافة. والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه قراءات معروفات في قَرَأة الأمصار، أعني: القراءات الثلاث صحيحات المعاني، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب.
لكن هنا تنبيه هام وهو أنه ليس المراد من الآية بيان أنه يجب على كل مسلم أن يحض على طعام المسكين، وأنه إن لم يفعل ذلك يكون مكذبا بالدين فإن ما ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكافرين بأقبح صفاتهم تنفيرا للمسلمين منها حتى لا يتشبهوا بهم، فقال تعالى في وصف صاحب الشمال الذي يأخذ كتابه بشماله: { إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وليس معنى هذا أن من تشبه من المسلمين بالمشركين في بعض صفاتهم الذميمة والتي هي دون الكفر يصير منهم. فلا يستوي الكافر الذي لا يحض على طعام المسكين مع المسلم الذي لا يحض على طعام المسكين، وقد قال الله تعالى: { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} وهنا سؤال يطرح نفسه أيضا: هل الكافر الذي يحض على طعام المسكين، يكون عذابه أقل من الكافر الذي لا يحض على طعام المسكين؟ الجواب: القواعد تشير إلى الإفادة بنعم، فإن الكفر دركات: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}، فللكفر عذاب، وللصد عن سبيل الله عذاب فوق العذاب.
10 7 - تفسير سورة الماعون عدد آياتها 7 ( آية 1- 7) وهي مكية { 1 - 7} { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} يقول تعالى ذامًا لمن ترك حقوقه وحقوق عبادة: { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} أي: بالبعث والجزاء، فلا يؤمن بما جاءت به الرسل. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} أي: يدفعه بعنف وشدة، ولا يرحمه لقساوة قلبه، ولأنه لا يرجو ثوابًا، ولا يخشى عقابًا. وَلَا يَحُضُّ} غيره { عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} ومن باب أولى أنه بنفسه لا يطعم المسكين، { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} أي: الملتزمون لإقامة الصلاة، ولكنهم { عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} أي: مضيعون لها، تاركون لوقتها، مفوتون لأركانها وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات وأفضل القربات، والسهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم وأما السهو في الصلاة، فهذا يقع من كل أحد، حتى من النبي صلى الله عليه وسلم.
فماذا كان عاقبتهم عندما منعوا إطعام المساكين { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} الليل الشديد الظلمة أي سوداء. لكن هل تصدق أن هناك من يكذب بالدين (البعث والجزاء), غالب من طرح عليهم هذا السؤال أجابوا بالنفي، ولأنه أمر مستبعد فقد صدر به الله صدر سورة الماعون متسائلا: { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} أي هل رأيت أحدا يكذب بالدين؟؟ لا... هذا غير ممكن مستحيل، ولكن الله يبين لنا صفات من يكذب بالدين: { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}. وكما كان الأمر في أول السور والآيات نزولا بمكة في الحث على عمل الخير عامة وإطعام المسكين خاصة كانت أولى الكلمات النبوية في المدينة. فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه وقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء سمعته يتكلم أن قال: « يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام ».
وتارة هناك إنسان مصلٍّ، ولكنه بعض الأوقات يترك الصلاة.. مثلاً: البعض يترك الصلاة أيام الامتحانات، أو عندما يسافرون إلى بلاد الغرب.. والبعض لا يصلي في الطائرة إلى خروج الوقت، بدعوى أن هذه طائرة، ومن قال: بأن الطائرة تمنع الصلاة؟.. نعم الذي يقطع صلاته فويل له!.. [color="rgb(255, 140, 0)"]{ا[color="rgb(154, 205, 50)"]لَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ[/color]}.. أي يأتون بالعبادات لمراءاة الناس، فهم يعملون للناس لا لله تعالى.. فالإنسان إذا رآى حتى لو صلى؛ فإن صلاته باطلة.. لذا، فإن الإنسان قد يكون مصلياً، ويدخل جهنم؛ لأن صلاته في حكم اللاصلاة، صلاة باطلة. [color="rgb(154, 205, 50)"]{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}.. الماعون كل ما يعين الغير في رفع حاجة من حوائج الحياة: كالقرض تقرضه، والمعروف تصنعه، ومتاع البيت تعيره.. والله العالم!.. البعض قد يطبقه على إنسان يستقرض، ولا يؤدي القرض.. وبالتالي، فإن صاحب القرض، سيأخذ عهداً على نفسه بعدم مساعدة أي إنسان.. فهذا الذي لم يؤدِّ القرض، من الممكن أن ينطبق عليه: أنه منع المعروف.. وهناك ذم شديد جداً لمن يأخذ المال قرضاً، وهو ينوي عدم أدائه.. بعض المحتالين يخجل من طلب المال بشكل مباشر، فيطلبه على سبيل القرض لمدة قصيرة ومحددة، وإذا بهذه المدة تصير عشرين سنة.. نعم، هذا تحايل، وصاحب هذه الفكرة إنسان شيطاني.. هذا الإنسان ليس فقط لا يساعد، بل يحذر منه!..