اهـ بتصرف من كتاب حجاب المرأة المسلمة. ولا يمكن أن يسوِّيَ عاقل بين شهوة عاجلة منغصة، مع ما يعقبها من ألم البعد عن الله في الدنيا، وما يترتب عليها من حساب في الآخرة، وبين نعيم الجنة وعافية الدنيا وسعادتها.
وقال الله - تعالى -: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]. يقول ابن تيميَّة - رحمه الله -: "فأمره مع الاستغفار بالصَّبْر؛ فإنَّ العباد لا بد لَهم من الاستغفار؛ أوَّلهم، وآخرهم" [1]. اهتمامه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالاستِغفار: للاستغفار في حياته - صلَّى الله عليه وسلَّم - شأنٌ عظيم، واهتمام بالِغ، ومِمَّا يدلُّ على ذلك: 1- أنه كان يكثر من الاستغفار في مَجالسه العامة والخاصة؛ ففي الصحيحين: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((والله إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثرَ من سبعين مرة)). بركات الاستغفار – شبكة السراج في الطريق الى الله... وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: " حسن صحيح "، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "إنَّا كنا لنعدُّ لرسول الله في المجلس: ((ربِّ اغفر لي وتب عليَّ؛ إنك أنت التوَّاب الرحيم)) مائة مرة". 2- أنه كان يكثر من الاستغفار في أدعيته عامَّة: كما جاء في البخاري: عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه كان يدعو بِهذا الدعاء: ((ربِّ اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كلِّه، وما أنت أعلم به منِّي، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي، وجهلي وهَزْلي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، وأنت على كلِّ شيء قدير)).
بركات الاستغفار.. أولاً: إن الاستغفار من الذنب مطلوب فيه المبادرة، فبعض الناس يستغفر من ذنب ارتكبه قبل سنة -مثلاً- أو قبل شهر، أو قبل أسبوع؛ هذا أمر جيد!.. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (إنّ المؤمن ليذنب الذنب فيذكره بعد عشرين سنة، فيستغفر منه فيُغفر له؛ وإنّما ذُكّره ليُغفر له!..
الاستغفار سِمةُ الأنبياء والمرسلين، ووسيلةُ الأولياء والصَّالحين، كما تدلُّ على ذلك نصوصُ الكتاب المبين، وسُنَّة سيِّد المرسلين - صلَّى الله عليه وسلَّم. أوَّلاً: أبونا آدم - عليه السَّلام -: هذا أبونا آدم - عليه السَّلام - لما أذنب التجأ إلى ربِّه مُتضرعًا مستغفرًا، نادمًا مسترحِمًا، ومعه كذلك أُمُّنا حواء، فكان مما قالا: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]. ما حكم إقتراف الذنب بعد الاستغفار؟ | دنيا الوطن. ثانيًا: نوح - عليه السَّلام -: وهذا نوحٌ - عليه السَّلام - قال: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [نوح: 28]، وقال: ﴿ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47]. ثالثًا: كليم الله موسى - عليه السَّلام -: وهذا كليم الله موسى - عليه السَّلام - لما قتل رجلاً من الأقباط، قال: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16]. رابعًا: خليل الله إبراهيم - عليه السَّلام -: وهذا خليل الله إبراهيمُ - عليه السَّلام - كان يستغفر لنفسه، بل استغفَر لأبيه رغم ضلاله، وبقي على ذلك حتى تيقَّن أن أباه عدوٌّ لله؛ فتبَرَّأ منه، وكان إبراهيم - عليه السَّلام - يستغفر لكلِّ مؤمن سابق ولاحقٍ: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41].
وسأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد، كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال: والله لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنا خير لك من أن تصحب أقوامًا يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف. انتهى. وله تتمة ضافية تحسن مراجعتها في الداء والدواء له -رحمه الله-. والله أعلم.