أصاب عمرَ دوارٌ كاد يتهاوى به نحو الأرض من حرج الموقف وقسوته، ثم ألفى نفسه وقد تدافقتْ به سَورته نحو رسول الله يشكو إليه صاحبيه، أقبل الرسول - عليه الصلوات - بوجهه على عمر، يسأله في رقة وملاطفة، ونفض عمر لدى الرسول جملة القصة، فما كان جوابه إلا أن قال له - عليه الصلوات - وهو يبتسم: ((يتزوج حفصةَ مَن هو خير من عثمان، ويتزوج عثمانُ مَن هي خير من حفصة)). فما وسع عمرَ إلا أن يردِّد قولة الرسول، مأخوذًا بروعة المفاجأة: "يتزوج حفصة مَن هو خير مِن عثمان؟"، يا ليت شعري؟ أيصدق ما يمر بالخاطر، فيتزوج الرسول من حفصة بنت عمر؟ هذا واللهِ الشرفُ الذي لم تتطاول إليه أمانيه، نهض عمر بعد هذه اللمحة الخاطفة والعرض السريع إلى رسول الله وهو في غمرة من الفرح يصافحه ويشكر الله فيه، وقد نسي ما عانت نفسُه العزيزة من قسوة الرفض، وخرج عمر من لدن رسول الله يكاد يطير بجَناحين من عزة وفرحة، ليزف إلى ابنته وإلى أبي بكر وعثمان وجميع أهل المدينة بشرى هذه الخِطبة المباركة. ويشاء الله أن يكون أبو بكر أول مَن يلقى عمر، ويدرك سرَّ فرحته، فيُقبل عليه مهنئًا معتذرًا: لا تجدْ عليِّ يا عمر؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر حفصة؛ فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها لتزوجتُها، وانصرف كلاهما إلى ابنته؛ عمر ليهنِّئ حفصه بأكرم زوج، وأبو بكر ليهوِّن على عائشة من وقع الخبر، وهكذا تمت نعمة الله على حفصة، تأسو جراحها، وتنسيها أتراحها، كما تمت على عثمان بزواج أم كلثوم بنت رسول الله - عليه صلوات الله.
السيدة حفصة (رضي الله عنها) هي رابع زوجات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهي ابنه سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) والصحابية زينب بنت مظعون أخت الصحابي الجليل عثمان بن مظعون (رضي الله عنهما) ولدت السيدة حفصة قبل خمس سنوات من بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، وتزوجها رسول الله في العام الثالث الهجري وكان عمرها 22 سنة بينما كان حضرته في الخامسة والخمسين من عمره الشريف. كيف تم هذا الزواج المبارك؟ كانت أم المؤمنين حفصة (رضي الله عنها) قبل زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة (رضي الله عنه) وكان صحابيا مخلصا شهد بدرا، وبعد عودته من بدر إلى المدينة مرض مرضًا توفي على إثره، وبعد فترة قلق سيدنا عمر جدا من أجل تزويج حفصة مرة أخرى وكانت فوق العشرين عاما تقريبا، فذهب سيدنا عمر نتيجة بساطته الفطرية إلى عثمان بن عفان وقال له لقد أصبحت ابنتي حفصة أرملة، فهل لك رغبة في زواجها؟ فلم يستجب له عثمان. ثم ذهب عمر إلى أبي بكر وعرض عليه الزواج من بنته، ولكنه ظل صامتا ولم يجبه. فحزن عمر وتضايق جدا، وجاء حزينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقص عليه الحكاية كلها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تقلق، بإذن الله تعالى ستجد حفصة مَن هو خير من عثمان وأبي بكر، وسيجد عثمان زوجةً أفضل من حفصة.
-وروى أبو داود عن حفصة أُمّ المؤمنين رضي اللّه عنها: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أرادَ أن يرقدَ وضعَ يدَه اليمنى تحتَ خدّه ثم يقول: اللَّهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبادَكَ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ" -وروى البخاري، عَنْ أمِّ المؤمنين حفصة بنت عمر رضي اللّه عنهما قالت: قال عمر رضي اللّه عنه: اللَّهمّ ارزقني شهادة في سبيلك، واجعلْ موتي في بلدِ رسولِك صلى اللّه عليه وسلم، فقلتُ: أنَّى يكونُ هذا؟ قال: يأتيني اللّه به إذا شاء. تُوُفِّيَتْ حَفْصَةُ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، عَامَ الجَمَاعَةِ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ في شعبانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، في عهد معاوية بن أبي سفيان، وهي ابنةُ سِتّين سنةً، وَصَلَّى عَلَيْهَا وَالِي المَدِيْنَةِ مَرْوَانُ. ودُفِنت بالبقيع. مع أمهات المؤمنين. قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ فِيْمَنْ حَمَلَ سَرِيْرَ حَفْصَةَ؛ وَحَمَلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَارِ المُغِيْرَةِ إِلَى قَبْرِهَا. رضي الله عنها وأرضاها وحشرنا الله معها تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم. ءامين.