فهذا أعظم بيان لفضل العالم على العابد، قال المناوي: نفل العلم أفضل من نفل العمل، كما أن فرض العلم أفضل من فرض العمل، وفضل العلم ما زاد على المفترض. عن أبي هريرة وأبي ذر، قالا: باب من العلم يتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع، وباب من العلم يعلمه ـ عمل به أو لم يعمل به ـ أحب إلينا من مائة ركعة تطوع. ويمكنك مراجعة ما ورد في هذا الباب من فضل العلم وكلام العلماء على ذلك في كتاب: جامع بيان العلم وفضله للحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ وفي كتاب: مفتاح دار السعادة للحافظ ابن القيم ـ رحمه الله. الوجه الرابع: أن هذا القول وهو: فقيه واحد إلخ، ليس فيه أن العابد يسلبه الشيطان إيمانه، وإنما فيه الإخبار بفضل الفقيه على العابد. الوجه الخامس: أن فقد الإيمان ـ والعياذ بالله ـ له أسباب ولا يقتصر فقد الإيمان على العابد الجاهل فقط، بل العالم ـ أيضا ـ قد يفقد إيمانه وتسوء خاتمته لأسباب ذكرها العلماء ويجمعها ما ذكره ابن حجر نقلا عن عبد الحق في كتاب العاقبة أنه قال: إن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره، وإنما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب، ويكثر وقوعه للمصر على الكبائر والجريء على العظائم فيهجم عليه الموت بغتة.
مقالات متعلقة تاريخ الإضافة: 13/12/2014 ميلادي - 21/2/1436 هجري الزيارات: 455892 عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير)) [1]. ففي هذا الحديث دلالة على أن فضل العالم على العابد كبير جداً، وفضله كفضل النبي صلى الله عليه وسلم على غيره من البشر، والمعيار الأوحد هو العلم وليس إلاَّ العلم، لأن العالم هو الذي ينوّر للعابدين طريقهم إلى الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يحذرهم من مكائد الشيطان ومكره، وتبيان الطريق الصحيح منوط بأهل العلم، لهذا تميز العالم عن العابد بهذا المعيار. وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)) [2]. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد)) [3].
الاحابة الجواب: نعم هذا معناهُ صحيح أن الشيطان لا يخاف من العُباد لأنهم ليس عندهم علم ويُظلهم هو وهم لا يدرون وأما العالم فإنهُ لا حِلة لهُ فيهِ والعالم يقاوم شر الشيطان والعابد لا يستطيع أن يرد شبهات الشيطان ويعرف الخطأ من الصواب فلذلك العُباد لا يُشكلون على الشيطان يظلهم وأما العابد فإنهٌ يعجز الشيطان عنهُ ولهذا قال – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِد كَفَضْلِ القَمَر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب.
والله أعلم.
والعُلماءُ مَنوطٌ بهم تَعليمُ طُلابِ العِلمِ؛ فَينبَغي عليهم أن يُراعوا حُقوقَهم في التَّعلُّم والتَّعليمِ، ونَقلِ أمانةِ العِلمِ إليهم، وهذا يَستَلزِمُ من الطُّلابِ إكْرامَ العُلماءِ أيْضًا وتَبجيلَهم. وفي الحديث: الحَثُّ على السَّعْيِ في طَلبِ العِلمِ. وفيه: أنَّ اللهَ سبحَانَه جَعلَ العُلماءَ حامِلينَ لِعلْم الأنْبياءِ، لِتكتَمِلُ المَسيرةُ إلى أنْ يشاءَ اللهُ رفْعَ العِلمِ().
وكما في قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {يونس:62- 63}. فهذا لا يسلب إيمانه ولا تضره فتنة ما بقيت السموات والأرض ويوفقه الله للموت على الإسلام والإتيان بأمره سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران: 102}. وما أجمل قول الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية حيث قال: أي: حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك. هـ. وأما القول الآخر الذي في السؤال وتوهمت السائلة معارضته للحديث السابق فلفظه المشهور: فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. والجواب عن الإشكال الذي لدى السائلة من وجوه: الأول: أن هذا الحديث ضعيف لا يصح وقد أنكره طائفة من الحفاظ وحكم كثير منهم بأنه حديث مكذوب كابن حبان والساجي وغيرهم. الوجه الثاني: أن المقصود بالشدة على الشيطان هنا هو أن الشيطان لا يستطيع أن يفتن العالم عن طريق الشبهات التي يزخرفها نتيجة لاعتصام العالم الرباني بالكتاب والسنة ومعرفته بحيل الشيطان وعداوته ومعرفته بالصراط المستقيم وما يضاده، ولذا كان أشد على الشيطان من العابد الجاهل الذي لا يعلم ما يعلمه العالم.